عبد الله باخشوين
** العلاقة بين الكاتب والصحيفة التي تنشر ما يكتبه ليست علاقة مصلحية.. لكنها علاقة توأمة عقلية ووجدانية. ارتباط عاطفي شديد الخصوصية.. والغرابة.. ربما وعلى سبيل المثال.. ربطتني بجريدة (عكاظ) علاقة عاطفية خاصة تعود لبدايتي الأولى على صفحاتها منذ نحو عام 1968 تقريبا. وكان أول عمل رسمي لي (محرراً متفرغاً لها منذ عام1970) وتقلبت بي الأسباب وانتقلت للعمل في أماكن أخرى.. وسعدت بزمالة ومعرفة أساتذة كبار حيث عملت.. لكن بعد أن وجدت نفسي خارج دائرة العمل الصحفي وتحركت في نفسي (سوسة) الكتابة لم أرغب في مكان أنشر فيه سوى (جريدة عكاظ) ولم تنطفئ جذوة الرغبة إلا بعد أن قام الدكتور هاشم عبده هاشم بمحاولات أراد منها دفعي للتوقف عن الكتابة نهائياً.
أصبحت الكتابة عندها تأكيد وجود.. وشهادة حياة.. صحيح أنه ليس لدي الكثير مما يمكن أن يقال لكن قدري ومصيري ارتبط بالكتابة منذ بدايتي الأولى.
لذا فإن العلاقة في هذه التوأمة الغريبة لا تنطبق علي ككاتب لكنها رافقتني كقارئ فأنا لا أتخيل أنني أقلب صفحات (الجزيرة- على سبيل المثال) ولا أجد اسم (خيرية السقاف) أطال الله عمرها ومتعها بالصحة والعافية وحين لم نجد اسم (خالد المالك) على (الترويسة) اعتقدنا أن ذلك خياره الشخصي مثل ذلك العدد القليل الذي زهد في مهنة المتاعب وانتقل لمجال آخر.
غير أن (عنوان) الكاتب هو الصحيفة التي يطل على القارئ من خلالها.. وكل الكتاب يدركون هذا جيدا فـ«الجزيرة» بالنسبة لي هي ذلك العدد من الكتَّاب الذين أحببتهم وأصبحوا أصدقائي من خلال لقائي اليومي أو الأسبوعي بهم دون معرفة شخصية سابقة.. وكذا شعور أي قارئ تجاه كتَّاب الصحيفة التي اعتاد قراءتها.
غير أن هذه المشاعر تظل -برأيي- ناقصة إذا لم يدركها وينميها الكتاب أنفسهم.. وأعتقد أن الوقت أصبح مناسباً لأن يقوم الكتَّاب برد الجميل لصحفهم التي رعتهم واعتنت بهم وأبرزت أسماءهم وكتاباتهم.
ولأن الصحف اليوم تعاني من ضائقة مالية محرجة وحرجة تجعل أولوياتها السعي للوفاء بالتزاماتها تجاه العاملين المتفرغين الذين يعد العمل الصحفي هو مصدر دخلهم الوحيد ولأنه -وبحد علمي- لا يوجد كاتب يعتاش من (مكافأة) الصحيفة التي يكتب لها وجميعهم من وجوه المجتمع -كل في مجاله- ولم تكن المكافأة التي تمنحها الصحيفة سوى دليل للتكريم والتقدير.. ونوعا من الطرق التقليدية المتعارف عليها وتقدم من الصحف لاعتبارات (منها الرخاء المادي) الذي يعتبر الكاتب مساهماً فية بالتفاف قرائه ومحبيه.. باعتباره (مادة تسويقية) تضاف لما تقدمه الصحيفة..
أما الآن فأعتقد أن الوقت أصبح مناسباً لأن يقوم الكتَّاب وبشكل جماعي بالتخلّي عن المكافآت التي تقدّمها الصحيفة لهم مع التأكيد على استمرار التزامهم بالاستمرار في الكتابة حسب الجدول الزمني المعتاد وأظن أن مثل هذه المبادرة.. هي تأكيد على التزام الكتَّاب بالمبادئ العليا التي تنادي به كتاباتهم وتأكيد لروح الالتزام الوطني وتعميق للدور الوطني المهم في مسيرة الإصلاح.. ودعم لخطوات التغيير التي نعتبر جميعاً جنودها ووقودها أيضاً.