د.عبدالله بن موسى الطاير
تعبُر بلادنا مرحلة تحجب عتمة مفتعلة إمكانية الرؤية إلا في اتجاه واحد يصبغ المملكة بأقذر التهم الكاذبة التي تؤلب الرأي العام العالمي. بدأ التحقيق قبل الجريمة، وانطلقت المرافعات قبل انعقاد المحكمة، ونصبت المشانق للسعودية والسعوديين قبل صدور الأحكام. هناك فريق لا يعرف بعضه بعضًا، ولكنه «يدل» غايته بوضوح، وهناك من يخطط باحترافية، ويدفع بسخاء، ويهاجم بذكاء، ويحصد نتائج تتراكم بسرعة هائلة. إنها كرة من نار تتسع وهدفها ابتلاع المنجز السعودي في السنوات الثلاث الماضية، وتفخيخ طريق الرؤية بالمعوقات للسنوات الثلاثين القادمة. تلك أمانيهم، فهل نسمح لهم بتحقيقها؟
هجوم كاسح يشنه الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، يقوده سرب من المرتزقة الذين يقتاتون على شتم المملكة عقيدة وقيادة وشعبًا ومنجزًا. من يتتبع الحملة المخططة بجهد كبير والمدعومة بإمكانات ضخمة سيجد بوضوح أن هدفها هو «اجتثاث» السعودية من الوجود. فلماذا؟ المملكة في واقع الأمر هي للمسلمين «جوهر» الإسلام، وقلب الأمتين العربية والإسلامية النابض بالحياة. ولذلك فإن السعودية تؤرق أعداء العرب والمسلمين بمحافظتها على هذه الأمة حية متماسكة ولو في الحدود الدنيا من التعاون.
كانوا يتوقعون أن المملكة قد هرمت، وأنها في طريقها إلى مصير الدول التي يختم الموت شيخوختها، ولكنهم فوجئوا بها تتجدد ويقودها أحفاد المؤسس على عين الملك سلمان، مما يبشر بمئة سنة قادمة، مما جعل أعداءها ينتفضون لاعتراض نهضتها الحديثة، لأنها ببساطة نهضة أمة عربية إسلامية.
هناك جريمة حدثت أخفت الصحافي السعودي جمال خاشقجي عن العيون، والتحقيق جارٍ بمشاركة سعودية. هذه معطيات مهمة، ولكن قضيتي هي الإعلام الذي استغل غياب جمال لتحقيق أهداف سياسية أبعد.
هذا الحدث ينكأ جراح 11 سبتمبر 2001م الغائرة عندما غربت شمس ذلك اليوم وليس في الإعلام الأمريكي صوت واحد يقول كلمة تعارض الرواية السائدة، فأخذت طريقها إلى عقول ومشاعر الرأي العام الأمريكي والعالمي، برواية لا يصدقها عاقل، ولكن الساحة خلت لها فتمكنت من العقول والأفئدة.
لم يخرج في «الوقت المناسب» خطاب إعلامي سعودي جاد يقول إن السعودية ليست هي المستفيد، ويجب التحقيق في تلك الأحداث بشكل جنائي محترف يبحث عن المستفيد الأول منها ويقدمه للعدالة. الإخفاق الرهيب الذي أعقب تلك الأحداث يعود «ربما» إلى أن تلك الأحداث استهدفت الأرض والكرامة والأمن الأمريكي، وبذلك كان صعبًا مواجهة ذلك التيار الجارف لأنه ببساطة يتماهى مع إحساس الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الأمريكية بالعجز واعتبارها السعودية كبش الفداء الذي ذبح لامتصاص غضبة الأمريكيين من مؤسساتهم الأمنية.
اليوم لا يشبه الأمس والليلة ليست البارحة، فنحن أمام قضية حدثت خارج الأراضي الأمريكية، وضحيتها مواطن سعودي وليس أمريكيًا، وقيادة أمريكية تقول إن السعودية مهمة للولايات المتحدة الأمريكية، في مقابل إعلام «محتقن»، وأجندة قديمة جديدة، ودول تدير الحملة الإعلامية ضد المملكة بكفاءة عالية، وتنفق عليها بسخاء كبير وتوظف كل الإمكانات لإلحاق الضرر بالسعودية، ليس في تركيا ولا في العالم الإسلامي بداية وإنما في أمريكا تحديدًا إذ لطالما كانت العلاقات السعودية الأمريكية شوكة في حلوق أعداء المملكة، وقذى في عيونهم.
تأخرنا كثيرًا في تقديم رواية مختلفة، فخطابنا الإعلامي في هذه الأزمة متهافت، وكأننا لم نتعلم درسًا قط. كل دقيقة نتأخر فيها عن تقديم معلومات تعترض الرواية الرائجة أو تشوش عليها سوف تكلفنا دهرًا في معالجة آثارها.
ليس لدينا مشكلة مع الرأي العام المحلي، فالمغردون يقومون بالواجب، والشعب السعودي مع بلده، ولكن الرأي العام العالمي يتم تسميمه بسرعة هائلة دون تدخل إعلامي سعودي مناسب.