عمر إبراهيم الرشيد
الكتابة تثبيت للفكرة وصقل للغة على اختلاف ما يكتب ومن يكتب. ومما يتميز به بعض الغربيين إيجابياً تدوينهم ليومياتهم مهما كانت، معتبرين تلك التفاصيل الصغيرة مكونات حياتية سوف تغدو صفحات مهمة ليست لهم فحسب، بل لذويهم وربما لأجيال بعدهم في وطنهم أو خارجه. ومن أمثلة تلك اليوميات ما يخطه السياسيون والمفكرون والعلماء، كمذكرات السياسي البريطاني وحائز نوبل ونستون تشرشل على سبيل المثال التي تعد عملاً أدبيًا فوق أنها مذكرات سياسية تؤرخ لحقبة خطيرة من تاريخ أوروبا والعالم. العلامة الفقيه والمؤرخ أبوالفرج بن الجوزي رحمه الله (510 - 597) ألف كتاباً سماه (صيد الخاطر)، وهو حصيلة ما جال في خاطره من أفكار وحكم ومعارف وأخبار، من بحر علمه واطلاعه كأحد علماء الإسلام في ذلك العصر، حيث تربو مؤلفاته على ثلاثمائة كتاب تنوعت في التفسير والفقه والوعظ واللغة والطب وغيرها. وتقوم فكرة كتابه (صيد الخاطر) على تدوين ما خطر بباله من معلومة أو استنباط، أو فكرة نضجت في عقله نتاج تأمل، إذ أنه واعظ كثير التأمل بعيد الفكرة يغص المسجد الذي كان يلقي فيه دروسه ومواعظه بالآلاف من طلابه. ومعلوم أن تدوين الفكرة والمعلومة أيا كان مجالها هو تثبيت لها من النسيان، وهذا النهج دأب عليه العلماء والمخترعون والمفكرون على مر العصور، كما أنه من المعلوم أثر الكتابة على تنشيط الفكر والذاكرة في دماغ الإنسان.
مسألة أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها، ألا وهي إفراغ ما يعتمل في داخل المرء من مشاعر سلبية أو إيجابية وبثها كتابة، لأنها حين تزدحم وتمور في الوجدان فإنها تؤثر نفسيًا وصحيًا كذلك إن لم يتم تفريغها، لذا فإن الشكوى لمن نثق بهم وبثهم همومنا أو إشراكهم بمشاعرنا الطاغية فرحًا له تأثير إيجابي في حفظ توازننا النفسي والاجتماعي وا لتنفيس عن أي احتقان ناتج عن تزاحم تلك المشاعر. وهناك في علم النفس ما يسمى بعملية تداعي المعاني، وهي ببساطة استدعاء الفكرة لأخرى شبيهة لها أو مرتبطة بها، وهو ما يتم أثناء الكتابة والتفكير الهادئ المتزن بعيداً عما يشتت الذهن ويقطع سيل الأفكار. ويقول خبراء التنمية الذاتية سجل أهدافك القريبة والبعيدة لأن ذلك كفيل بعد الله بتحفيز العمل على تحقيقها، بل واكتب ما تحتاجه عند الخروج للتسوق لأنك سوف تتلافى عملية التسوق العبثي حين تشتري ما تحتاجه وما لست بحاجة إليه مما يؤثر على ميزانيتك تبعاً، طابت أوقاتكم.