عماد المديفر
لنكن واضحين.. صحيح أن جمال خاشقجي من المنافحين عن تنظيم الإخوان المسلمين، وتربطه بقياداته في تركيا ومصر وأمريكا وبريطانيا علاقات وثيقة جداً، بل ولربما كان جمال من المتبنين لفكرهم في السر، ما لم يكن هو في الأساس أحد عناصر شبكة الإخوان المسلمين المتخفين داخل المملكة العربية السعودية، ولا سيما أن له علاقات وثيقة بأسماء مهمة في عالم الإرهاب والارتياب، كأمثال أسامة بن لادن وجمال خليفة، وياسين القاضي، وعبدالرحمن العمودي، (الأخيران لهما علاقة فاعلة بجريمة محاولة اغتيال الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله-) ووليد فتيحي، ومنظمة (كير) المظلة الأكبر لتحركات الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية.. بل وله علاقات قوية مع شبكة الإخوان المسلمين (البنائيين) داخل المملكة والذين قال عنهم القيادي الإخواني يوسف ندا في وقت سابق إنهم: «محل ثقة في دولتهم، وفي الأماكن التي يتحركون فيها».. وأنهم «أشخاص في الظل، بمنزلة البقع السوداء في ارتفاعات لا يكشفها الرادار»، وقد لوحظ أنه ما أن بدا العمل على كشف هذه الشبكة داخل المملكة - ولا يزال العمل على ذلك في بداياته، ولم ينته بعد - إلا وجرى تسريب هذه المعلومة بشكل أو بآخر لجمال خاشقجي - حين كان في المملكة- والذي على ما يبدو وصلته التعليمات من التنظيم الدولي بسرعة الخروج من المملكة، وهو ما تم.. فجمال في الواقع يعد صندوق معلومات كبير حول الشبكة الإخوانية البنائية المتغلغلة في أماكن مهمة وحساسة، وصفها ندا بأنها «في ارتفاعات لا يكشفها الرادار»! لذلك فإنه ليس من مصلحة التنظيم الدولي أن يبقى جمال في المملكة، فجمال مثلاً ليس كغيره.. ليس كالإخوان السروريين أو كسلمان العودة أو سفر الحوالي وأشباههما.. أبداً.. فجمال مرتبط بالتنظيم البنائي الذي عرف أنه دائمًا ما يتسم ظاهرياً بالاعتدال، ويتسنم أو يستهدف التغلغل إلى المناصب القيادية أو المهمة أو الحساسة في مفاصل الدول المستهدفة.
عندما غادر جمال خارج المملكة، لم يكن في الواقع على قائمة المطلوبين بحسب ما هو معلن، وهو بنفسه أسمى مغادرته للولايات المتحدة بـ«المنفى الاختياري»، أي أنه هو من اختار الخروج من المملكة، في وقت لم يكن مطلوباً فيها..
بيد أن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين أوجس منه ريبة، حين رآه وبعد أن أقام في الخارج، لا يزال يتودد للمملكة وقيادتها وشعبها.. واصفاً إياهم بـ«وطني وأهلي»، مكرراً بأنه «ليس معارضاً سعودياً»، وكان له وقفات ضد من يسيء إلى المملكة وقيادتها وشعبها، آخرها تعليقاته الأخيرة ومقاله الأخير في الواشنطن بوست، والذي بدا وكأنه يدافع عن المملكة، عدا عن تردده على السفارة السعودية في واشنطن، وتواصله أحياناً بسمو السفير شخصياً، كل ذلك جعل التنظيم الدولي يضع جمال تحت دائرة المتابعة والشك، ومما لا يخفى على أحد أن أدبيات التنظيم الدولي نصت على أن: «خيانة أو إفشاء سر من أسرار التنظيم يؤدي إلى إخلاء سبيل الجماعة ممن يخونها» أي قتله..!
وما أن تم الإعلان عن اعتزام المملكة فتح ملف جريمة محاولة اغتيال الملك عبدالله من جديد، إلا وكان ذلك بمنزلة دق ناقوس الخطر.. ولا سيما أن هناك الكثير من المعلومات والأدلة الموثقة التي أضحت اليوم بأيدي الجهات السعودية المعنية.
جمال تحديداً تربطه علاقات قوية بـ«عبدالرحمن العمودي» و«ياسين القاضي» واللذين لهما علاقة مكشوفة بمحاولة الاغتيال، وبـ«سعد الفقيه» و«محمد المسعري»، تماماً، كما أن لـ«القاضي» علاقة قوية بقيادات إخوانية تركية، عدا عن علاقاته الشخصية بالرئيس التركي نفسه «رجب طيب أردوغان»، والذي ترددت الأنباء أن «القاضي» يقيم في «تركيا» حالياً..
جمال في الواقع لم يكن ذلك المعارض الشرس، بل لم يكن معارضاً أصلاً، ولا يمكن مقارنته بالإرهابيين «سعد الفقيه» و«محمد المسعري» مثلاً، واللذين لم نلتفت إليهما، أو يمسهما منا سوء.. إذن ليس من مصلحة أحد إخفاء جمال خاشقجي وضمن هذه الظروف، إلا التنظيم الدولي للإخوان المسلمين.. كي لا يقع صندوق المعلومات هذا أو إن شئت فسمه «الصندوق الأسود» للبنائيين السعوديين، في أيدي الجهات الأمنية السعودية..
وهنا دعونا نطرح أسئلة عدة.. أين ومتى أحب جمال خطيبته التركية المزعومة وقرر الارتباط بها؟ أين هاتف جمال خاشقجي؟ ولماذا سلمه لها قبل دخوله القنصلية؟ ولماذا سكتت عن اختفائه أربع ساعات متواصلة؟! وأين هي خطيبته المزعومة أساساً؟ وكيف جرى استدراج خاشقجي من الولايات المتحدة إلى تركيا؟ كيف جزمت الجهات التي وصفتها رويترز بـ«مصادر أمنية تركية» بالقول إن جمال قد قُتل داخل القنصلية؟! ونحن لم نر جثته؟! ما سر تسريب المعلومات المتضاربة والمتناقضة من الجانب التركي إلى وسائل الإعلام الدولية؟ ومن بينهم (ياسين أقطاي) مستشار الرئيس التركي والرجل الثاني في حزب العدالة والتنمية الحاكم، والذي صرح بداية لوكالة الأنباء الفرنسية بما يفيد تأييده لتقرير «رويترز» الذي نشرته نقلاً عن «مصادر أمنية تركية» بأن جمال قُتل داخل القنصلية وأنه جرى تقطيع جثته وإخراجها من القنصلية؟؟ وذلك بعد أن صرحت المملكة بأنها على أتم استعداد لفتح أبواب القنصلية للمحققين، تمامًا كما فتحتها للإعلاميين؟ ثم عاد (أقطاي) نفسه بعد أيام عدة لينفي اتهامه للمملكة؟ ويقول إن «الدولة العميقة» ربما قتلته؟! ولماذا يصرون على أنه قُتل دون وجود أي دليل حقيقي على ذلك؟
كل ذلك يعيدنا للمربع الأول.. من هو المستفيد الأساس من اختفاء خاشقجي؟ وآمل من الجهات الأمنية التركية أن تتعاون بالفعل مع فريق التحقيق السعودي واللجنة المشتركة المشكَّلة لهذا الغرض.. وليس فقط عبر التصريحات، والاتهامات المرسلة دون دليل.