عبد الرحمن بن محمد السدحان
* أهداني قبل حين سمو الصديق الأمير محمد بن سعود بن خالد آل سعود نسخة من مؤلف له بعنوان: (الرفض والقبول) حاول المؤلف من خلاله أن يرسم وبأسلوب أنيق، جزءاً من سيرة هذه البلاد الطاهرة في مجال تقنية الاتصالات، بدْءاً بالبرقية وانتهاءً بـ(الإنترنت).. مشيراً سموه إلى أن ذلك المشوار استغرق زمناً طويلاً من عمر هذا الكيان الغالي الذي تجاوز الآن أكثر من ثمانين حولاً.
**
* وأشار المؤلف إلى أن من أبرز مراحل هذه التجربة الضاربة في عمق الزمن (المواجهة) بين الرغبة في استثمار منجزات هذا القطاع تقنياً وتوظيفها لخدمة الناس، و(نزعة الرفض) لدى البعض منهم لهذه المنجزات من جهة أخرى، بحجة أنها (تتعارض) مع الموروث دينياً واجتماعياً، أو أنها (مُحدثة) من عمل الجان!.
**
* وقد تزامنت بداياتُ هذه التجربة مع بداية هذا العهد الزاهر، قبل أكثر من ثمانية عقود بقيادة مؤسسه وبانيه الخالد، جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه-. وكانت مرحلة قاسية بسبب (نزعة) الرفض لتطوير هذا القطاع أو ذاك من فنون الاتصالات بحجة أنها (مُحدَثة)!.
**
* ثم نجح باني هذا الكيان المؤسس الخالد -طيب الله ثراه- بحكمته في إيجاد (ألفة) حضارية بين منجزات الاتصالات في ذلك الحين وبين من أنكرها، لأن عطاءها يصب في مصلحة أبناء هذا الوطن وبنائه، بما لا يُغضب الله سبحانه وتعالى.
**
* وشَتّان اليوم بين ما آل إليه قطاع الاتصالات في بلادنا، من منجزات الاتصالات بمختلف فنونها وبنيانها وأدوارها، بدْءاً بالهاتف وانتهاء بالأقمار الصناعية في شتى المجالات وبين ما كان عليه الحال في زمن مضى، وتحوّل رفْضُ الأمس إلى قُبولٍ فارهٍ لكل وسيلة اتصال، مسموعة ومرئية ومكتوبة!.
**
* وقد شَكرتُ مؤَلّفَ الكتاب، سمو الصديق الأمير محمد بن سعود بن خالد، الذي أرَّخ من خلاله مرحلةً مهمةً من مسارنا التنموي ممثلاً بقطاع الاتصالات، تجعلنا نُشيد بإكبار وتقدير لمن حاولوا إقامة جسور من الألفة والقبول لدى بعض أجيالنا القديمة الذين رفضُوها غيرةً على المعتقد وخوفاً عليه من شُبُهات تُسببّها تلك الأدوات، والمتصدّين لتلك النزعة المعارضة مؤسس هذا الكيان جلالة المؤسس الخالد الملك عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه-.
**
* ولن أنسَى قبل الختام أن أزجيَ الشكرَ لمؤلف هذا الكتاب القيّم تدوين وتوثيق -بعض- المراحل الهامة في مشوار قطاع الاتصالات في بلادنا، وأتمنى أن يقرأه كل شاب وفتاة في هذا الوطن الغالي، ليثمّنوا ما حققته بلادهم من ثمرات وما عانته من عثرات في هذا القطاع الحياتي الهام، وأن يُحسنوا (التعامل) معها أخلاقياً وفنياً وحضارياً.
**
شيء يذكّر بشيء:
وعلى هامش هذا الحديث، أتذكّر موقفاً فيه شيء من الطرافة وشيء من الحزن. فخلال الجزء الثاني من عقد السبعينات (ميلادياً)، كنت حديث العهد بالوظيفة، في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز -طيب الله ثراه-. وكُلّفت من قبل جهة عملي بمتابعة إجراءات ربط الخطوط الهاتفية اللازمة في مبنى قاعة المؤتمرات التابعة لأحد الفنادق الكبرى بالرياض، والتقيتُ الشخصَ المتعاقدَ (غير سعودي) المنتدب من شركة الاتصالات المشرفة على تقديم الخدمة الهاتفية وعرّفته بنفسي ومهمتي ثم انطلقنا في مهمة تفقد التمديدات اللازمة في المبنى، وكان يرافقنا عددٌ من المختصين في هذا المجال، حتى وصلنا إلى نقطة أجمع معظم المرافقين معنا أنها لا تحتاج إلى خدمة هاتفية، لأسباب لا أذكر لها تفصيلاً، وفي هذه اللحظة انطلقت من صدري (آهةٌ) خافته، لكنها لم تفلت من سمع مهندس الاتصالات الذي كان يسير إلى جانبي!.
**
انتهت مهمة فريق العمل ذلك اليوم، وعدنا إلى نقطة البداية لتناول القهوة، وجلس إلى جانبي المسؤول عن المشروع، ثم فاجأني بسؤال عن سبب تلك (الآهة) التي أطلقها وجداني في ختام الجولة استجابةً لهاجس داخلي، فابتسمتُ وقلتُ إنني مُمْتنّ لسؤالك هذا، وما كنت أظن أحداً سيُعنَى به، وتقديراً لمبادرتك، سأسردُ عليك نبأَ تلك الآهة باختصَار لأن موضوعها يخصُّ شركتكم تحديداً، فقال: أرجوك افعل. وأسمعته جزءاً من معاناتي الطويلة بحثاً عن خط هاتفي خاص يربطني وأسرتي ومنزلنا المستأجر بالعالم من حولنا، استمرت نحو عام، وكلما طرقت باباً لإنجاز طلبي، كان الرد يأتي سريعاً (لا توجد إمكانية)!.. وتكرر هذا الردُّ عدة مرات حتى فقدتُ الأمل، ثم سألته بدوري: هل لديك حلّ؟.. وجاء ردُّه مباشراً وعاجلاً: أبشر، أرجو زيارتي في مكتبي غداً بمقر الشركة لتدبر الأمر.
**
فعلتُ ما أشار به مندوب الشركة، وماهي إلا أيام قلائل حتى كان صوت الهاتف يصدح في منزلي الصغير بحيّ الملز، وحمدت الله، أن كُتب لمعاناتي نهاية سعيدة، وُلِدتْ صدفةً، وأثمرت لي خيراً!.