نجيب الخنيزي
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخلاف غالبية الرؤساء الأمريكيين، معروف عنه تصريحاته ومواقفه وتغريداته الغريبة والمتناقضة، والتي سرعان ما يتراجع عن معظمها على الصعيد العملي، أو ببساطة يجري تجاهلها من قبل مؤسسات صنع القرار للدولة العميقة في الولايات المتحدة.
تلك التصريحات والمواقف ذات الطابع الاستفزازي، لم توفر أحداً، في الداخل والخارج، الأعداء والحلفاء في الآن معاً.
على صعيد الداخل الأمريكي، الرئيس ترامب الذي جاء من عالم التجارة والمال والعقار، وهو ما انعكس على شخصيته وتصرفاته، يتعرض لحملة قضائية قد تطيح به، تتعلق بالتهرب الضريبي، والتحرش الجنسي، والتواطؤ مع روسيا، ودورها المزعوم في التأثير على مجرى انتخابات الرئاسة، وفي محاولة للهروب إلى الأمام أخذ يهاجم بشراسة الصحافة والإعلام، والحركات النسائية، وطال هجومه بعض مؤسسات الدولة العميقة، كما أقدم على إقالة كبار المسؤولين في إدارته ممن قد يشكلون تحدياً له، نذكر من بينهم وزير العدل بالوكالة سالي ييتس، والأمر ذاته قد يطال وزير العدل الحالي جيف سيشنز، كما أقال عبر تغريدة على تويتر وزير الخارجية السابق ريكس تيليرسون وعين مايك بومبيو مكانه.
الأمر ذاته شمل مستشار الأمن القومي هربرت ماكمستر، وجلب أحد صقور إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن، وهو جون بولتون مكانه. كما أقال مدير مكتب التحقيقات الاتحادي (إف. بي. آي) جيمس كومي محاولاً تجاوز تحقيقات يقودها الأخير ضده، وأخيراً قدمت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هيلي استقالتها من منصبها، والقائمة ستطول.
على الصعيد الخارجي، نستذكر تصريحات ترامب إزاء حلفائه الغربيين في حلف الناتو، حول ضرورة زيادة نفقاتهم في الحلف، وموقفه من ألمانيا التي اعتبرها أصبحت تحت رحمة روسيا، لتمسكها باستمرار شراكتها على صعيد الغاز الروسي، ناهيك عن التوترات السياسية والاقتصادية مع دول مهمة كالصين ودول الاتحاد الأوربي وكندا والمكسيك وتركيا واليابان وكوريا الجنوبية والقائمة تطول، وبدأنا مؤخراً نشهد نذر اندلاع حرب تجارية عالمية، من شأنها تقويض الاقتصاد العالمي الهش، والذي لا يزال يعيش الذيول الخطيرة للأزمة الاقتصادية العالمية، التي اندلعت في أغسطس 2008.
على صعيد المنظمات والاتفاقيات الدولية أعلن الرئيس ترامب انسحابه من اتفاقية المناخ، والاتفاق النووي، ومنظمة اليونسكو، ومحكمة الجنايات الدولية، ومجلس حقوق الإنسان، وأوقفت الولايات المتحدة دعمها لوكالة غوث وتوظيف اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)،
على الضفة الأخرى نستحضر تهديداته النارية لكوريا الشمالية، ولزعيمها كم جونغ أون، وبأنه سيمسح كوريا من على وجه الأرض، والذي رد عليه الزعيم الكوري بتهديدات مماثلة، ثم انتهى الأمر بعقد لقاء قمة بينهما وصفها ترامب بالناجحة، بل تحدث عن قصة حب باتت تربطه بالدكتاتور الشرس لكوريا الشمالية.
كما نتوقف هنا عند تصريحاته الاستفزازية، ضد الدول المنتجة للنفط (أوبك) ومطالبته بتخفيض الأسعار، عن طريق رفع الإنتاج.
تلك التصريحات ذات الطابع الشعبوي، وغير المسؤول، التي طالت دولاً ومن بينها المملكة، تربطها بالولايات المتحدة علاقات تاريخية راسخة، والمفترض أنها تستند إلى المساواة واحترام السيادة، إنما تعكس عنجهية غبية للقوة والابتزاز الرخيص، وقصور فهم تاريخي وسياسي ومعرفي.
الحوار المطول الذي أجراه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع وكالة « بلومبيرغ « تضمن رداً هادئاً بعيداً عن الانفعال، والخطاب الشعبوي الساذج المقابل، لكنه في الوقت نفسه كان حاسماً، وهو ما يليق برجل دولة حقيقي، يعي دور ومكانة الولايات المتحدة في العالم، وللعلاقات التاريخية والاستراتيجية العريقة التي تربطها مع المملكة، والتي تتعدى الأشخاص مهما كانت مكانتهم الراهنة.
أكد ولي العهد، أن المملكة في تاريخها العريق، الذي يتجاوز عمر الولايات المتحدة بسنوات، لم تكن ولن تكون مثل جمهوريات الموز بالنسبة للولايات المتحدة، وبأن قيام الدولة التي أسسها القائد المؤسس الملك عبد العزيز تحقق على يد أبنائها، وبأسلحة بسيطة ومحدودة، وبأن أسلحتها تدفع أثمانها، وبالتالي ليس لأحد مهما كان المنّة عليها في ذلك.
التجارب التاريخية تؤكد أن بقاء الدول أو زوالها ليس منوطاً بعوامل خارجية في المقام الأول، فالولايات المتحدة عملت المستحيل من أجل تثبيت النظام الموالي لها في فيتنام الجنوبية، ورغم تدخلها العسكري واستخدامها أحدث الأسلحة الفتاكة، ووجود ما يقرب من ربع مليون جندي أمريكي، ومقتل أكثر من 50 ألف جندي منهم، إلا أنها تلقت هزيمة نكراء على يد مقاتلي الفيتكونغ الفيتناميين وجلهم من الفلاحين.
إذاً يتعين التذكير بأن العوامل (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية) الداخلية هي الأساس في قوة أو ضعف أي دولة.