رقية سليمان الهويريني
لم يكن اجتماعي في الرياض مع زميلات الدراسة في متوسطة وثانوية البكيرية حدثاً عارضاً أو لقاءً عابراً تطغي عليه المجاملة، بل كان رحلة للماضي ومتنفساً للحاضر خرجت فيها عن المألوف وعدت لحياة الصبا والشباب حين التقيت بأكثر من خمس وعشرين زميلة جمعتنا مقاعد الدراسة وردهات المدرسة وساحتها الفسيحة بحجم طموحنا آنذاك.
وإن كانت السنون قد خدشت بعضنا فغيرت في الشكل، وحولت في الهيئة، فوسم الزمن تجاعيده في ملامحنا وتسللت شعرات بيضاء في رؤوسنا، وأجهد المرض بعضنا؛ إلا أن الروح الجميلة داهمت قلوبنا أثناء اللقاء، فخرجنا من جلابيب الكهولة الباهتة إلى أردية الشباب الزاهية في كرنفال مهيب فدخلنا لجة بحر الماضي.
وحين دارت أقداح القهوة وأطباق الحلا بيننا عادت بنا ذكريات الفسحة والمقصف وشطائر البساطة حين كنا نتحلق لنتبادلها ونستطعمها سوياً. مررنا بقاربنا نحو فصل (أولى أ) ثم (ثاني ب) وبدأنا نستعيد أسماء مرت عليها أكثر من ثلاثة عقود ونعدد الطالبات وأماكن جلوسهن ومغامرتهن البريئة، وعرّجنا نحو المعلمات وذكرناهن بخير، وترحمنا على من رحل للدار الآخرة، وذكرنا (الفرّاشة) وأم علي التي توزع علب الطباشير صباحاً، وحتى الحارس، وكان للحافلة المدرسية نصيب من الذكرى حين كنا نثير الشغب فيها!
انهمرت الذكريات تترى، فاستدعينا طعم التعاون الماضي بيننا، فهذه تجيد الرسم فهي تساعد زميلتها العاجزة، والأخرى تجيد التعبير فهي تكتب الموضوع المطلوب كيلا تتعرض زميلتها الضعيفة للوقوف خارج الفصل، وكنا نتقاسم موضوعات الإذاعة الصباحية حتى يفوز فصلنا بأفضل إذاعة، وكان يوم التدبير المنزلي مميزاً لخروجنا عن روتين الدراسة.
وما كنت لدينا ونحن نضحك تارة على شغبنا آنذاك، ونبكي على أيام البساطة التي تجمعنا بلا مظاهر وكأننا تشكلنا من نسيج واحد، لا غِيرة ولا حسد ولا استعلاء فالوضع الاقتصادي متقارب والاجتماعي متماثل فليس هناك منغصات التفاضل، ولا أوجاع التميز، لذلك كان الاجتماع انسيابياً لا يحمل ذكريات كدر مضى ولا قهر تولى!
لم أستطع مغادرة مكان الاجتماع الجميل أو قل لا أرغب، فمشاعري ترفض التخلي عن صباي وشبابي، وعقلي يدرك أني سأعود إلى كهولتي ومسؤولياتي برغم ما فيها من مكاسب أسرية ومهنية ومعنوية، ولكن أيام الشباب جميلة وفاتنة وفاخرة لا تعوض ولن تعود، إلا أن اجتماع (بنات البكيرية) قد أنعش قلبي وجدد شبابي فكتبت هذا المقال.