د. حمزة السالم
الطبيعة الخلابة القوية كانت تشكل حقائق مقدسة عند الهنود الحمر، وهذا يفسر قوة تعلقهم بالأرض، الذي يمثله خطاب أحد أكبر زعماء الهنود وحكمائهم، للأمريكان حين قال: لا تسيئوا فهمي، بل أفهموني جيداً وافهموا شغفي بالأرض.. أنا لم أقل يوماً أن الأرض ملكي أفعل بها ما أشاء، الذي له حق التصرف فيها هو من خلقها.. أنا أطالب بحق أمتياز الحياة على أرضي، وأمنحك بالمقابل أمتياز الحياة على أرضك.
(سُمي سكان أمريكا الأصليين بالهنود، لأن كروستوفر، ظنها الهند حينما اكتشف الأمريكيّتين لأول مرة). واكتشاف الذهب في كالفورنيا أوقع كارثة بهنود السهول.. فقد سبب تدفق أفواج الأمريكان المهاجرين عبر الغرب المتوحش (بعرض نحو 4000 -5000 كيلومتر) إلى كالفورنيا.
والبيض المهاجرين، يأتون بأمراض لا يعرفها الهنود من قبل، كالكوليرا التي جلبتها قوافل عربات المهاجرين والتي قتلت نصف قبيلة شايان الهندية. كما أفزعت قطعان الجواميس المتبقية من عمليات الصيد الجائرة التي يقوم بها الأمريكان. فصار من الصعب على الهنود الحصول على طعام، وكانت بعثات الصيد الهندية، تموت جوعاً دون العثور على جاموس.
وتناقص الجاموس أشعل الصراع القديم بين القبائل الهندية، فصار الغرب المتوحش ساحة قتال وفوضى غير مسبوقة، فصار عبور الأمريكان عبر السهول، نوعاً من الانتحار.
حاولت الحكومة الأمريكية التدخل لوقف القتال بين الهنود، لضمان أمن قوافل المهاجرين الأمريكان. فعرضت عليهم خمسين ألف دولار من المؤن سنوياً لمدة خمسين عاماً، إذا رضوا أن يتعهدوا بعدم التحرش بقوافل المهاجرين، ويسمحوا لجيش ببناء حصون لهم، وأن تلتزم كل قبيلة بديارها فلا تخرج منها، لمنع الاحتكاك مع القبائل الأخرى، وأن يقتنعوا بإنهاء فكرة الغزو والغنيمة.
وقد كان الأمريكان سذجاً في محاولاتهم هذه. فمن يحدد المناطق، ومن يفهم الخرائط، والأهم من هذا النفاق الظاهر في مطالب الأمريكيين في كونهم يطالبون الهنود بالتوقف عن ما يفعلونه هم. قال رئيس الاكوتا للأمريكان، وهي القبيلة الأكثر توسعاً: «أنتم البيض تتوسعون، فمتى أردتم أرضاً أتيتم بالقوة وطردتم الهنود، ونحن لا نفعل إلا ما تفعلونه أنتم. فلا يحق لكم منعنا مثلما لا يحق لنا منعكم».
«لقد أتينا من الشمال لهذه السهول من 300 سنة، فدحرنا العدو وأخذنا الأرض والتلال السود المقدسة، وطردنا غيرنا منها، وكنا محاربين أشداء رائعين، فنحن نمتلك هذه التلال وهذه الأرض بحق الاحتلال».
والأمريكان يفهمون جيداً معنى حق الاحتلال لفظاً وتطبيقاً وممارسةً. ولإكمال المعاهدة أصر الأمريكان على أن تُسمي كل قبيلة رئيساً لها يخوله قومه بالتوقيع عنهم. لكن القبائل عجزت عن الاتفاق عن تعيين قادة لهم، فعين الأمريكان عليهم قادة، قد اختارهم الرجل الأبيض. ووقعت المعاهدة عام 1851، أيّ قبل عقد من بدء الحرب الأهلية الأمريكية.
واستمر السلام ثلاث سنوات، إلى أن قتل شاب هندي من اللاكوتا، عجلاً لمستوطنين بيض، مما دفع بفرقة من ثلاثين رجلاً من الجيش الأمريكي إلى محاصرة القبيلة وتوجيه المدافع على خيامهم، ثم المطالبة بالمذنب، الذي أبى أن يخرج. وعرض «الدب الغازي» رئيس القبيلة، أن يعطيهم أضعاف سعر العجل، ولكن النقاش احتد، وفجأة أمر الضابط الأمريكي رجاله بفتح النار، فاول من قتل كان «الدب الغازي» الذي كان الوسيط العاقل بين الأمريكان والهنود. فهجم شباب القبيلة على الفرقة الأمريكية فأبادوهم جميعاً ما عدا جندياً وصل حصنه زاحفاً. وبهذه المذبحة المتبادلة بدأ عهد جديد بين الأمريكان والهنود، عهد غارق في الكراهية والدماء.