د. عبدالحق عزوزي
نظمت رابطة العالم الإسلامي منذ أيام مؤتمرها العالمي الثاني في نيويورك بعنوان «التواصل الحضاري بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الإسلامي» بحضور أكثر من 400 شخصية إسلامية وأمريكية من جميع الأطياف الدينية والحكومية والبرلمانية والفكرية والمجتمعية.
وقد أكد المجتمعون أن الأديان السماوية تدعو إلى قيم المحبة والتسامح والتعاون، مشددين على أن التواصل الحضاري بين الأمم والشعوب ضرورة ملحة لتعايشها السلمي وتبادلها المعرفي والمادي.
وقال المجتمعون إن «للأمم والشعوب تجارب مهمة في التعايش المختلط بين مكوناتها وقدمت في ذلك نماذج إيجابية من خلال الانفتاح والتبادل بين الحضارات».
وتابعوا على أنه يجب التسليم بطبيعة الفروق بين الأمم والشعوب، مع أهمية توظيف ذلك للتعارف والتفاهم لمواصلة التعاون فيما بينها»، مشددين على ضرورة استقرار العلاقات بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة الأمريكية، من خلال التواصل الثقافي والحوار الإيجابي، مع أهمية إيضاح الرسالة الحقيقية للإسلام التي حاول التطرف اختطافها وتزوير معانيها، بجانب التصدي لدعوات الكراهية والإقصاء، خاصة حملات الإسلاموفوبيا التي جادت كلمة معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى في وصفها؛ ومن بين التوصيات التي خرجنا بها في المؤتمر:
أولاً: دعوة المؤسسات العلمية والفكرية في العالم الإسلامي والولايات المتحدة الأمريكية لإطلاق برامج ومبادرات تعمق الحوار والتعاون البيني لتحقيق المصالح المشتركة وترسيخ مبادئ الثقة ومعالجة العوائق كافة بما في ذلك العوائق المفتعلة بفعل الحواجز والنظريات الوهمية.
ثانياً: إطلاق برامج ومبادرات حوارية بين الإسلام والغرب ودعوة رابطة العالم الإسلامي لتنظيم مؤتمر عالمي في هذا الخصوص يشمل جميع مسارات الحوار الملحة والتي لا يزال كثير منها يمثل حالة فراغ كبيرة، وأن يدعى له رموز العلم والفكر في الشرق والغرب.
ثالثاً: دعوة الأفراد والمؤسسات المختلفة لبذل الجهود كافة لتوظيف وسائل التواصل الاجتماعي والإنتاج الفني لتعزيز التقارب الإيجابي بين الثقافات والحضارات بما يخدم المصالح المشتركة ويواجه حملات الكراهية.
رابعاً: تثمين مبادرة رابطة العالم الإسلامي في دعم جهود الدمج الإيجابي لما يسمى بالأقليات الدينية والثقافية في مجتمعاتها.
خامساً: إطلاق قافلة رسل سلام مستقلة عن أي تبعية سياسية يمثلون الديانات الثلاث لزيارة جميع الأماكن المقدسة في مدينة القدس والحوار مع الحكماء، لدعم أي مشروع أو مبادرة من شأنها أن تسهم في إيجاد حل للقضية الفلسطينية.
سادساً: تثمين المبادرة التاريخية لقمة الرياض 2017 بين الدول الإسلامية والولايات المتحدة الأمريكية، والتي حملت في مضامينها معاني التواصل الحضاري البيني ونتج عنها إنشاء أكبر المنصات العالمية لمكافحة الفكر المتطرف «مركز اعتدال» بالرياض، وكذا تثمين إنشاء مركز الحرب الفكرية بوزارة الدفاع بالمملكة العربية السعودية، المعني بتفكيك تفاصيل الأيديولوجية المتطرفة التي تعتمد عليها في خطف عقول المستهدفين حول العالم، حيث التحق بما يسمى بتنظيم داعش الإرهابي أكثر من 45 ألف شاب من نحو 100 دولة للأسف الشديد.
وقد قلت في المحور الأول للمؤتمر أن هناك حدوداً يجب على العولمة ألا تلغيها. تلكم التخوم التي تمكننا من الانتقال من ثقافة نحو أخرى، وتعلمنا أنه ليس هناك لغة واحدة بل لغات متعددة، وأن كونية الإنسان تتجسد في كل ما هو خاص، وأنه يجب علينا الحفاظ على هذا الغنى كما نحافظ على الممتلكات النفيسة للإنسانية. وليست مناطق الإنسان فقط مادية أو جغرافية، بل إنها أيضاً مناطق روحية، وبقدر هذه المناطق يجد كل فرد منا في جميع القارات كرامته ويقيسها كما يقيس كرامة الآخر. وفي هذه المجالات أيضاً يصاغ السلم العالمي ويحدد مصير الشعوب وكذا التسامح بين الناس والشعوب.
ومن هذا المنطلق، لا نريد حوارًا لتنتصر ثقافة بعينها على ثقافة أخرى، أو لتبسط دولة ما هيمنتها على دول أخرى، ولا لتحقيق طموحات سياسة ما على حساب طموحات سياسات الآخرين، نريد حوارًا ينتظم به ومعه التنوع البشري بكل أشكاله ومصالحه، نريد حوارًا تنتظم به المفاهيم المشتركة، وتتوحد معه الغايات المشتركة، ويصان به المصير الإنساني المشترك، من أجل التعاون والعمل الصادق لإجلال وصون:
1. قدسية قيم الإيمان بالله، ووحدة الأسرة البشرية ومصالحها المشتركة.
2. قدسية حياة الإنسان وكرامته وممتلكاته.
3. قدسية العدل والسلام وسلامة البيئة.
4. قدسية عقل الإنسان وحريته وغذائه وصحته وتعليمه....