مها العنزي
يروقني تأمل الوجوه التي ألتقيها وقراءة عيونهم، أبحث عما تخفيه بتخمين وخيال حسب معطيات الملامح. قد يبدو لك أنه «فضول امرأة» لكنه فضول لا يتجاوز تلك المسافة بين عيني وعينه، أمارس رغبتي المتدفقة التي لم تجف يوما في أفضل مكان مزدحم جدا، متقاربين لكن الفرصة للتأمل موجودة: ألا وهو في زحمة الرياض، فمنذ ثلاث عشرة سنة وأنا في كل يوم أقف في زحام من شرق الرياض إلى غربها وشمالها.
رأيت يوما رجلا بجانبه على افتراض أنها زوجته؛ لتتوافق قراءتي حسب ما أرى، متجهميّن بائسيّن صامتيّن؛ لانعدام الحوار الصحيح بينهما، وإن تحدث تمتمت شفتاه بكلمات لا تكاد تسمع لكنها سمعتها لأن صمتهما جعل من تمتماته جهارا. تمنيت أن أقول لهما أنتما ربطتما بينكما ميثاقا غليظا لا ترخيا مسكه فغلاظته بفضاضتكما ترخى فلم يعد مربوطا ولا مقطوعا، مؤلم تعلقه بين هذا وهذا. التفت يمينا والتفتت يسارا وابتسما، لكن أنارت الإشارة خضراء ولم أستطع القول.
رأيت شابا في مقتبل العشرين نظره ثابت يبدو أن تفكيره في مكان آخر لم أستطع معرفة ما يدور في ذهنه. أتمنى أن ما يفكر به لا يتعدى مستوى المشاكل التي يواجهها الشباب في عمره؛ لكنه حزين وأحزنني ذلك.
وددت أن أقول له: أخي الصغير مهما كانت أيامك صعبة ستكون ذكرى يوما من الأيام، لكن أنار الأخضر ولم أستطع القول.
رأيت أبا متفجر الحنان والعطف، يسترق النظر إلى هاتفه النقال كلما سنحت له الفرصة محاولا السيطرة بين الطريق و(قاطع طريق) -إن صح التعبير- وفي المقعد الخلفي طفل مدلل يقف ونصف جسمه خارج السيارة! يلوح بيده لجيرانه في الزحام، كدت أفتح النافذة وأصرخ في وجه ذاك الحنون لأقول: ما هكذا تكون أبا صالحا يفتح منافذ الحرية لابنه في الاختيار والتصرف؛ لصقل شخصية الطفل وحتى لا تجعل منه إنسانا معدم الثقة بنفسه عاجز عن اتخاذ القرار الصحيح إمعة خلف كل من يخالف فكر محيطه تمردا ومحاولة لاكتساب شخصية أعدمتها قسوة الأب، لكنها صارت خضراء وقلبي يهتف بالدعاء بأن يحفظ الطفل.
رأيت امرأة كل جزء منها يتابع الطريق نظرها ثاقب تجاه كل شيء في الطريق حذرة جدا، مميزة بحدتها أحسست بالأمان تجاهها وودت لو أنني برفقتها بالسيارة بدلا من سائقي الذي يحاور السيارات من خلال قيادته فإذا غضب يقوم بالاحتكاك!!
سعيدة في زحمة الرياض.