«الجزيرة» - محمد المرزوقي:
أكَّد الدكتور سعد البازعي أهمية وجود مشروع عربي للترجمة، ومؤسسة تعنى بالترجمة لتواكب مسيرة العالم الحضارية والثقافية، مشيرًا إلى أن الحاجة ملحمة لإشاعة حركة الترجمة من خلال إنشاء «اتحادات» للترجمة، تنهض بما يوجد من حراك وصفه بالجهود الفردي التي ينقصها التكامل وينقصها منهجة الدور، ووجود الأثر، جاء ذلك خلال إقامة (الملتقى الثقافي) لندوته الدورية مساء أمس الأول، في نادي شركة الكهرباء بحي النفل بالرياض، تحت عنوان: «تجارب في الترجمة» بمشاركة الشاعر والمترجم الدكتور شريف بقنة، والقاصة والمترجمة الإعلامية تركية العمري، بمناسبة (اليوم العالمي للترجمة).
وقال البازعي: بدأت على التعرف الترجمة من خلال ما كنت اقرأه من (سلسلة المكتبة الخضراء)، التي لم أكن أعرف حينهما أن ما تنشره كان لقصص مترجمة، إلا أنني في المرحلة الإعدادية بدأت فيها أقرأ لمترجمات قصصية، استشعرت من خلالها ميولاً ذاتيًا لقراءة المترجمات الأدبية، إلا أن أول عمل ترجمته كان خلال مرحلة الدراسات العليا 1982 عندما ترجمت لبورخيس، إلا أنني اتجهت إلى الترجمة لا بوصفها ميولاً نحو ترجمة الأعمال الأدبية فيما ترجمت، لكونها ترجمة تجنح للمعرفة لا الأدب، موضحًا أن الأصل في الترجمة أن تتم من العمل الأصلي، مؤكدًا أن الترجمة الأدبية أكثر عمقًا وحميمية منها مقترنة بالترجمة المعرفية والفلسفية، مختتمًا تجربته قائلاً: الترجمة الأبية نقل عن إبداع المؤلف، لذا تحتاج لفم عميق لنقل إيحاءات اللغة وذائقة أدبية، تستكنه مضامين اللغة، إذ الترجمة عمل تفسيري لا النص نفسه.
أما تركية العمري، فقد استهلت الحديث عن تجربتها مع الترجمة، قائلة: كيف لنا أن نفهم الآخر أو يفهمنا، إذا لم نمد جسورًا متينة من الترجمة؟ إذ لا يكفي أن يكون المترجم منفصلاً عن اللغة الثقافة التي يترجم منها ليزداد عمقًا ووعيًا بما يترجمه، حتى لا يظل عند مستوى الترجمة (الحرفية)، المحصورة في علوم الطبيعيات، ما يجعل من المترجم الأدبي أمام مسؤولية معقدة ومركبة، متى ما قصر فيها فقد وقع في «الخيانة»، فلقد بكيت مرات عندما ترجمت بعض الأعمال الإبداعية، بل كنت أتخيل شخصياتها وكأنها تشاركني حياتي، وعندما ازددت وعيًا بالترجمة، وعمقًا بترجمة الكلمة الإبداعية، وجدت نفسي أكثر وعيًا بلغتنا العربية، وأكثر عشقًا لها، عندما تكشفت لي المقارنة بين جماليات لغتنا العربية واللغة الأخرى، فالمترجم لا يمكن أن ينفصل عن وظيفة الترجمة، ولا روحها الإبداعي، ولا يمكن تخليه عن الرسالة التي يؤمن بها متى ما كان مترجمًا متمكنًا ومحترفًا لصنعة الأدب ولصنعة ترجمته، مختتمة مشاركتها بقولها: الترجمة فن، والمترجم فنان، والمترجم غير المتمكن من فون الترجمة خائن!
كما أكد الشاعر شريف بقنة، خلال حديثه عن تجربته أن الترجمة وإن كانت نقلاً للنص المترجم، إلا أنها أشبه بالرقص على السلالم، والمشي على الحبال! أو أشبه ما تكون كما قيل: بتقبيل امرأة من وراء زجاج! مشيرًا إلى أنه عشق الأعمال المترجمة من خلال قراءة المترجمات الأدبية، التي لم تمكن لغة الطب من التغلب على لغته الأدبية فيما يقرأ ويكتب ويترجم، عبر انطلاقة مشواره مع الترجمة منذ العام 2008، قائلاً: ما زلت أتذكر فشلي في ترجمتي لقصيدة (الغراب)، التي لم أحسن معها الاختيار لما سأترجمه، لكونها من قصائد بدايات الحداثة الأمريكية، ذات الوزن والقافية، إذ إن الترجمة حالة من التأمل، الملكة، والوعي بتفسير دلالات اللغة، واستنطاق دلالاتها، فليس المترجم في تصوري سوى سائح في مدينة مزدحمة بالمدن وعوالمها، مكتظة بالأزقة وتفاصيلها المتزاحمة بتفاصيل الحياة.
وقد شهد اللقاء جملة من المداخلات، التي جاء من ضمنها: مداخلة للزميلة في صحيفة الجزيرة الكاتبة نورة القحطاني، وأخرى للدكتورة سعاد المانع، ومداخلتان للزميلين سعد الغريبي، والروائي عادل الدوسري، الكاتبين في صحيفة الجزيرة، وأخرى للروائية حنان القعود، الذين التقوا في مداخلتهم مع عدد من المداخلات التي
تقاطعت في الوعي بالترجمة، ووعي القارئ باحترافية المترجم، وترجمة الأدب باعتباره علمًا، أو أدبًا، والمترجم والأديولوجيا.