د. عيد بن مسعود الجهني
الدول في تقدمها وتطورها تقاس بمدى غناها في العنصر البشري المتسلح بالعلم والمعرفة والخبرة في ميادين يطلبها سوق العمل في القطاعين العام والخاص، وبذا فإن الإنسان هو محور وجوهر مسيرة التنمية المستدامة والاقتصاد النشط الذي يعتبر العمود الفقري، والدول غنيها أو فقيرها في هذا الزمان سريع الحركة والتطور أدركت هذا إذ يتوقف تقدمها على مدى قدرتها على تكوين وترشيد العنصر البشري.
وإيماناً من الدول المتقدمة بأهمية التعليم والبحث العلمي، أنشأت جامعات متخصصة وهيئات ومؤسسات مستقلة، ففي أمريكا مثلاً هناك هيئة العلوم الوطنية ووظيفتها تطوير العلوم الهندسية، ومعهد الصحة الوطنية، وفي بريطانيا يوجد سبعة مجالس بحثية في مجالات متعددة، وفي كندا هناك مجلس للبحث الوطني يتكون هيكله من 19 معهداً وبرنامجاً وطنياً، وفي السويد يقدم مجلس البحث العلمي دعماً غير محدود للبحوث العلمية في جميع المجالات.
هذه المراكز البحثية المتطورة إلى جانبها جامعات لها تاريخها الناصع في ميدان العلم والمعرفة، كجامعة هارفارد، ستانفورد، كامبردج، إكسوفورد، السوربون وغيرها من الجامعات في الغرب الذي تقدم وتطور وحرق المراحل لتصبح دوله متقدمة بشكل مذهل بدأ في الثورة الصناعية، وأصبح اليوم يغزو الكواكب ويسبح رواده في الفضاء بسبب تطويره للعلوم والاستفادة منها فامتلك ناصية القوة العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية، وطبقت العلوم التطبيقية والإدارة كعناصر أساسية في التطور والتقدم والنماء.
الغرب أدرك أنه لا يمكن أن يتسيّد العالم ويكون في مقدمة الأمم وتعيش شعوبه رغداً من العيش وسعة إلا بامتلاك ناصية العلم، فأخذت دوله تنفق على العلم في جميع نواحيه والبحث العلمي بسخاء فأنشأت الجامعات المتخصصة وغيرها، ناهيك عن مراكز البحوث في مجالات عدة، هذا لأن تلك الدول تدرك أن عائد ذلك سيكون مجزياً، ويمثل الإنفاق على العلم والبحث والتقنية نسبة كبيرة من الموازنة في كثير من الدول المتقدمة، ولذا أصبح تصنيف الدول إلى متقدمة ومتخلفة ينظر إليه طبقا للنسبة التي تنفقها على التعليم والبحث العلمي.
لهذا تقدم الغرب وتأخر العرب والمسلمون، لأن الغرب تقدم من بوابة العلم ومعرفة دقائقه وتسخيره في خدمة الإنسان عامة والغرب خاصة فرفعت الجامعات المعترف بها دوليا رؤوسها عالية وينتظر سوق العمل الخريجين منها ويفتخر طلابها انتساب أسماءهم إليها فهي الورقة الرابحة لفوزهم بعقد عمل مربح، بينما نحن المسلمون أهملنا هذا الجانب رغم أن أسلافنا كانوا يوماً أصحابه غذوا العالم في أعظم العلوم وأجلّها في الطب والرياضيات والعلوم والكيمياء والفلك وغيرها كثير.
ومن يتابع تطور وأداء الجامعات والمعاهد ومراكز البحوث يخرج بنتيجة مؤداها غياب الجامعات والمعاهد العربية عن التصنيف العالمي، لذا لفت انتباهي ما حققته جامعة الملك فيصل بحصولها على المركز السادس في إحدى المسابقات الدولية، (ممثلة بقسم نظم المعلومات في كلية علوم الحاسب وتقنية المعلومات في مسابقة DEL EMC الدولية السنوية التي شاركت فيها 70 جامعة، تمثل 18 دولة، في مقر المسابقة بالولايات المتحدة الأمريكية، وتهدف المسابقة الخاصة بمشروعات التخرج لطلاب درجة البكالوريوس للجامعات في دول الشرق الأوسط وأفريقيا وتركيا، لتشجيع ابتكارات الشباب ومواهبهم في مختلف مجالات تقنية المعلومات، وشاركت كلية علوم الحاسب وتقنية المعلومات في الجامعة عبر مجموعة من طالباتها بمشروع تخرج بعنوان:
Drowsiness related Accident evention Using Wearable Technology
الذي يضع حلا للكشف عن نعاس السائقين وتنبيههم قبل وقوع الحوادث المميتة من خلال تتبع وتسجيل معدل ضربات قلب السائق وتنبيهه عبر تطبيق في الهاتف المحمول المطور في المشروع).
كما أن الجامعة ممثلة بكلية إدارة الأعمال (قسم المالية) حققت إنجازا تعتبر فيه الأولى بين الجامعات في المملكة حيث حصلت على اعتراف معهد تشارترد للأوراق المالية والاستثمار البريطاني CISI لبرنامج بكالوريوس المالية في الجامعة، وهذا إنجاز للجامعة في ميدان الأوراق المالية والاستثمار وهو تخصص مهم في سوق العمل خاصة في المصارف وبورصات الأوراق المالية.
إن هذه الجامعة العريقة التي تأسست عام 1975 في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله استطاعت أن تشق طريقها لتبلغ مكانة علمية وبحثية متقدمة، كيف لا وهي تحمل اسم شخصية عالمية كان لها دورها المؤثر في السياسة والعلاقات الدولية على المستوى المحلي والإقليمي والعربي والإسلامي والدولي، قادة العالم ومفكروه وخبراؤه يدركون الأدوار الرئيسية التي لعبها الملك فيصل رحمه الله على جميع المستويات والقضايا الدولية.
وإن نعمة النفط التي يعيشها منتجوه ومستهلكوه اليوم يعود تاريخ زيادة سعرها من صناعة رخيصة الثمن إلى سلعة غالية الثمن منذ أن اتخذ قراره التاريخي عام 1973 بقطع إمدادات النفط عن الدول التي شنت عدوانها على مصر في تلك المرحلة من التاريخ، ليصبح الملك فيصل بطل معركة 1973 في شهر رمضان المبارك اكتوبر، ومطور صناعة النفط على المستوى الدولي لتصبح أغلى وأهم سلعة عرفها التاريخ الإنساني.
هذه الجامعة تحتضن كليات عديدة منها كلية للطب، كلية العلوم، كلية إدارة الأعمال، كلية علوم الحاسب وتقنية المعلومات، كلية الحقوق، كلية الآداب، كلية المجتمع للبنين وأخرى للبنات، إضافة إلى كلية العلوم الصحية للبنين وأخرى للبنات، ناهيك عن عدد من المراكز الأكاديمية المتخصصة.
ومما يثير الاهتمام أن لغة التدريس في الكليات الطبية والهندسية كالطب والصيدلة الإكلينيكة والهندسة والحاسب وكلية إدارة الأعمال هي اللغة الانجليزية هذا لأنها اللغة المستخدمة في المحاضرات والكتب والاختبارات النظرية والعملية، وفي باقي الكليات ككلية العلوم الزراعية والآداب والحقوق وغيرها هي اللغة العربية.
هذه الجامعة النشطة التي يديرها الأستاذ الدكتور محمد بن عبد العزيز العوهلي وهو رجل نشط متميز في إدارته الأكاديمية للجامعة التي توفرت لها عوامل النجاح لتضع قدمها بين جامعات العالم ويتوقع لهذه الجامعة المتعددة الكليات والتخصصات أن تتقدم خطوات إلى الأمام.
وإذا كان النص القرآني قد أكد على اختيار القوي الأمين استحسانا، فإن اختيار الأكفاء الأمناء الصادقين قد جاء وجوبا وأمرا في قوله تعالى {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}، النساء الآية 58، وفي السنة النبوية المطهرة قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من ولي من أمر المسلمين شيئاً فولى رجلاً وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين»، رواه الحاكم في صحيحه.
الدكتور العوهلي حاصل على الدكتوراه في تخصص الفيزياء النووية وصاحب خبرة طويلة في مجال الإدارة وعلمها وفنها إضافة إلى تخصصه الفريد (الفيزياء النووية) فقد شغل مناصب أكاديمية منها عميد لكلية الدراسات العليا بجامعة الملك فهد، إضافة إلى توليه مهام المنسق العام لبرنامج الأبحاث الأساسية والتطبيقية، معهد البحوث ثم وكيلا لوزارة التعليم العالي للشئون التعليمية ثم وكيلا لوزارة التعليم، وقد نشر له أكثر من 42 بحثا في عدد من المجلات الدورية العلمية المحكّمة أو المؤتمرات الدولية، وله عضويات في عدد من اللجان المحلية والوطنية.
وبقدر حصافة القائد الإداري ومهارته وكفاءته وخبرته وحسن قيادته الإدارية والمالية وأمانته وصدق توجهه، تتحدد نجاحات جهة الإدارة في ميدان الإنتاجية والتطوير والتحديث الإداري والمالي، والدكتور العوهلي أحد القادة في علم الإدارة الذي تسلح بالكفاءة والخبرة والمؤهلات، وبذا فإنه يعتبر إضافة هامة لهذه الجامعة العريقة النشطة تستفيد من قيادته فالجامعة تحتاج إلى رجل يملك حصادا وفيرا من التجارب والخبرات والمؤهلات.
والله ولي التوفيق،،،