أ.د.عثمان بن صالح العامر
منذ الساعات الأولى لاختفاء الإعلامي السعودي المعروف جمال خاشقجي، والكل يتحدث ويكتب، يحلل وينقد، يرصد ويتوقع، يستطلع ويتابع، وربما يتقول ويتهم، القنوات الإعلامية، الصحف العالمية، المغردون التويتريون، المحللون السياسيون، النخب الثقافية والعامة الشعبية...، ولو تأملت في كل هذا الزخم لوجدت أنك إزاء ثلاثة أنساق مستقلة، هي ليست جديدة في تاريخ البشرية، حكاها الله عز وجل لنا في حالات قميص يوسف عليه السلام المعروفة، وهي بإيجاز:
* الإعلام المضلل، وهو للأسف يمثل الأكثرية التي اختلقت الأدلة عنوة وربما مع سبق الإصرار والترصد، ثم جاءت بها -بعد أن لطختها بالدم الكذب- تعرضها للناس كل الناس على أنها الحق الذي لا مرية فيه ولا جدال حوله، متهمة المملكة العربية السعودية زوراً وبهتاناً أنها خلف اختفائه بشهادة خطيبته خديجة التي ادعت أنه دخل القنصلية السعودية في إسطنبول - من أجل أن يطلق زوجته ليتزوجها هي - ولَم يخرج منها، مع أن هذه المرأة العجوز! مجهولة الهوية لعائلة خاشقجي ولَم تعرف إلا هذه الساعة.
* الإعلام المحايد الذي يقرأ الحيثيات، ويحلل الموقف بحيادية تامة، وعدم انحياز لطرف دون آخر، فضلا عن أنه لا يعطي رأياً قاطعاً في القضية المطروحة، بل يطرحها بكل تفاصيلها أمام العقل البشري المتجرد من الأهواء والنزوات والرغائب والشهوات ليقول ما يتوصل إليه بكل مصداقية ووضوح، وهذا للأسف الشديد قليل في قضية خاشقجي وغيرها، إذ إن الإعلام اليوم غالبيته مسيس وموجه، ولديه أجندة محددة، صيغت بحرفية نتنة، وتطبق بنود هذه الأجندة المعادية لبلادنا المملكة العربية السعودية بحذافيرها على يد مرتزقة أجراء، باعوا ضمائرهم ورهنوا عقولهم لغيرهم كما هو حال الجزيرة القطرية الذي لا يخفى.
* الإعلام المحترم الصادق فيما يذهب إليه، الذي غالباً ما يتأخر عن سابقيه زماناً وحالاً، حتى يتسنى له جمع وتحليل ما يتوصل إليه من الأدلة والبراهين ذات الصبغة القطعية، فهو يزيد على المحايد السابق بأن يعطي حكماً نهائياً بعد وضوح الصورة لديه بكل أبعادها وبجميع زواياها جراء التحقيقات والوقائع التي تنتهي بحجج دامغة وأحكام واضحة.
لقد كان موقف المملكة من القضية موقف الواثق من جميع الإجراءات التي يتخذها المسؤولون عن سلامة وأمن المواطن السعودي حين يكون خارج أرض وطنه، حيث أكد صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلمان السفير السعودي في واشنطن أن خاشقجي مواطن سعودي وأمنه وسلامته من أولويات المملكة كما هو الحال لأي مواطن آخر، وكل التقارير حول اختفائه وقتله زائفة.
إن الواجب علينا عدم الالتفات لما يقال ويكتب سواء في الإعلام المرئي أو المقروء أو المسموع، وتحري الحقيقة من مصدرها الصحيح، فما يحدث هو لون من ألوان الحرب الناعمة التي يراد منها تفكيك وحدتنا، وهز ثقتنا، وتشتيت أذهاننا، وإيجاد الفرقة والتناحر بيننا، والنيل من رموزنا الأفذاذ، واتهام مؤسساتنا الرسمية الداخلية والخارجية بما ليس من طبيعتها ولَم يعرف عنها من قبل، فاللهم احفظ لنا قادتنا، وأدم مجدنا، وانصر جندنا، واحمِ مقدساتنا، وأرضنا، وشعبنا الوفي، وألف بين قلوبنا، وقنا شر من به شر، ودمت عزيزاً يا وطني وإلى لقاء والسلام.