شريفة الشملان
الجسور أول ما تمر مفردتها نتخيل الربط بين الضفتين فوق نهر أو بحر. وهذه الجسور عبر العالم قد تكون تربط بين قارات كما هو في جسر البسفور في تركيا؛ إذ يربط بين آسيا وأوروبا، أو كما في جسر بوابة الذهب (Golden Gat) على خليج سان فرانسسكو والمحيط الهادئ.. نعرف أكثر شيء الجسور على الأنهار، وهي أشكال أتذكر في صباي وأثناء دراستي في بغداد أنه كان هناك جسر اسمه جسر (أبو الدوب) في منطقة القرنة بالبصرة، تمر فوقه السيارات. والدوب عبارة عن زوارق صغيرة تشبه الجندول مربوطة مع بعضها، يسير فوقه السيارات، وتجعل الرعب لا يفارق قلوبنا حتى ننتهي منه.. عادة تنسف الحكومات الجسور في حالة الحروب لمنع تقدم العدو، ولكن أحيانًا لا تنسفها الحكومات لكن ينسفها العدو، وهذا ما حدث في حرب العراق؛ إذ نسف الأمريكان جسور العراق، ومن بينها جسر يحبه البغداديون كثيرًا، ويفخرون به، هو (الجسر المعلق). فعندما نُسف كادت قلوبهم تنسف معه؛ لما كان يمثله لهم من جمال ومن فخر ومن حب.. وهو يربط جانبَي دجلة. هناك مدن تسمى مدن الجسور، ومن بينها قسنطينة في الجزائر، وقد ذكرتها أحلام مستغنامي في بعض رواياتها.. كانت هي ووهران من المدن التي سجلت مع العاصمة الجزائر سجلاً جميلاً في محاربة احتلال فرنسا الطويل للجزائر..
وحتى لا أحصر مقالي في الجسور الحديدية والخشبية وغيرها عبر الأنهار والبحار.. سأتكلم هنا عن موضوع أحبه، هو بناء الجسور بين البشر، جسور ثقافية ومعنوية، جسور بين الأمم عبر كل العلاقات من علم وثقافة وسياحة، وعلاقات متكافئة، فإن لم تتكافأ سيكون هناك فجوة تكبر، وقد تصل إلى حد الانقطاع.
الجسور بين أبناء البلد الواحد هي أهم شيء يمكن أن تقوم عليه وحدة الأوطان والعلاقات مع بعضهم البعض، وتوفير التواصل القوي، سواء عبر مهرجانات في المناطق تحكي حكايات وثقافات المناطق الأخرى، ومنها أيضًا توفير وسائل مواصلات سهلة، تستطيع الأسر تكاليفها.. وهذا ما تحتاج إليه السياحة الداخلية لكل مناطق الوطن لجعل المسافة أسهل، والبعد يقرب. ولعل وسائل الإعلام أهم شيء يقصر المسافة بين أبناء المناطق. وطننا متنوع التضاريس، وأيضًا مواقعه مختلفة؛ فما بين متأثر بمناخ البحر البيض المتوسط، ومناخ صحراوي، وبه واحات جميلة عامرة بالخضرة والنخيل، وبين مناخ يقرب من مناخ المحيط الهندي وما تجلبه من رياح موسمية ممطرة.. هذه المدن تكاد تكون مشتى دافئًا وخضرة. ومناخ سواحل جميلة تلك التي تكاد تحيط بوطننا في الخليج العربي والبحر الأحمر.. فضلاً عن توافر مناطق حضارات قديمة وتراثية تذهل الزائر..
إن تسهيل التواصل وسرعته، واعتدال أسعار الفنادق والشقق المفروشة، يشجعان السياحة الداخلية.
ولأنني أقرب على النهاية فهناك جسور مهمة جدًّا هي جسور الحب والمودة بين البشر والأصدقاء.. هناك جسور تنقطع، وهناك علاقات تحتاج إلى (معدية) تسير عندما يكون الجو صحوًا، وتتوقف عندما يكون الجو كدرًا.. جسور قد تطير بنا حبًّا وشوقًا، وجسور قد تغرقنا بلحظة. فالحياة ليست سوى جسور تتشابك، وتكبر أو تصغر.. قد تعبر بنا لبر الأمان، وقد تعبر بنا إلى متاهات، وربما توصلنا لغابات شوكية موحشة.. وأعظم الجسور للبشرية هي جسور الفكر والأحلام، وهي التي تبعث في زوايا المخ عن اختراعات، وتجدد للحياة، ولولاها لما استمتعنا بكثير من الاختراعات والاكتشافات.
تبقى الكلمة الطيبة هي التي تجعل من جسور المحبة باقية صامدة ووردية.. اللهم اجعل لنا جسورًا صامدة قوية، تتفتح كما يتفتح ورد الربيع.. واجعل لنا صراطًا مستقيمًا في دنيانا وآخرتنا.