رمضان جريدي العنزي
مواقع التواصل الاجتماعي عالم افتراضي من العلاقات فرض نفسه على نمط الحياة، بعد أن بات في متناول الجميع، بل قارب الأفراد والجماعات من حدود الدنيا كلها، ونشر الثقافات والعادات والتقاليد، وأحدث اختلاطاً فكرياً بين الناس، ولعب دوراً بارزاً ومحورياً في تشكيل العلاقات والرأي العام والقيام بدور الإعلام البديل، من خلالها كون الناس تعارفات وصداقات بينهم، بعضها عابر وبعضها دائم وكثير منها وهمي وسطحي وغامض، لكن في الوقت نفسه أحدثت شرخاً كبيراً في العلاقات والترابط الأسري، حيث ابتعد أفراد الأسرة الواحدة الذين يقطنون البيت الواحد عن بعضهم البعض نتيجة الانشغال الدائم بأجهزتهم المحمولة وعالمهم الافتراضي، لقد أثَّرت هذه المواقع سلباً وبشكل جلي وبائن على العلاقات الأسرية، وأحدثت فجوة عميقة بين أفرادها، وطوّقتهم بسور عزلة، وتلال كبيرة من الوحدة والنفور، وأضاعت الوقت والجهد دون استثماره بالشيء الصحيح والمفيد، بل زادت الإحساس بالوحدة والاكتئاب والانطواء والتقوقع على الذات لدى مستخدميها، والاكتفاء بمتابعة الحياة عبر هذه المواقع المختلفة، ومراقبة الناس دون التفاعل معهم، ولفترة طويلة مضت ظلت الأسرة هي اللبنة الأولى والركن الأساسي في المجتمع الذي تتمحور حوله كل عمليات التنشئة والإصلاح، وقد كان لها دور أساسي فى تكوين مدارك الفرد وثقافته وتسهم فى تشكيل القيم والأخلاق التي يجب أن يتمسك بها ويتخذها كمقومات للسلوك الاجتماعي بما فيها علاقات الآباء والأمهات بالأبناء، أما اليوم فقد انتقل جزء كبير من هذا الدور إلى شبكات التواصل الاجتماعي بعد أن هيمنت واستفحلت، استعمرت واستحلت، الأمر الذى حل محل الحوار والمحادثة والنقاش بين أفراد الأسرة الواحدة، وعلى الرغم من أن هذه الشبكات أحدثت نقلة نوعية في تسهيل الكثير من مناحي الحياة، وأصبح للشخص إمكانية إنجاز أعماله اليومية في أي وقت وبسرعة فائقة، لكنها في الوقت نفسه أدت إلى توسيع الفجوة والصراع والهجر بين أفراد الأسرة الواحدة وحتى بين الأصدقاء والأقرباء والمعارف، لقد تلاشت قيم التواصل بينهم مع هذه الطفرة التكنولوجية الهائلة، إن الجلسات الأسرية والبساطة والألفة واللمة والاجتماعات الدورية والأحاديث الحميمية التي كانت عليها الأسرة سابقاً لم تعد قائمة، بل أخفتها هذه الأجهزة وقضت عليها ودفنت أثرها، وأصبح كل فرد من أفراد الأسرة الواحدة له هاتفه الخاص، ومعرّفه الخاصورقمه السري الخاص، وأصدقاؤه الخاصون، ويبحث بنهم عن التواصل مع الأغراب على حساب عائلته الخاصة التي يجتمع معها تحت سقف واحد، ولأن المشهد خطير، والواقع مرير، والنسيج العائلي بات رقيقاً، فإنني أناشد الآباء والأمهات والمسجد والمدرسة والجامعة بضرورة تكثيف التوجيه والإرشاد والمناصحة والمتابعة ونشر الوعي من خلال أحاطتهم بكيفية الاستخدام الأمثل والأقوم العقلاني والرشيد بما يعود عليهم بالفائدة وليس بالضرر، وتبيان خطورة هذه الأجهزة على العلاقات الأسرية وترابطها ومتانتها إن لم تستخدم على الوجه الصحيح والسليم والمفيد، كما أطالب بتكوين جمعيات اجتماعية وأسرية تندمج مع هذه المواقع وتعمل مع التفاعل مع أصحابها بتوعيتهم والمضي معهم في إشكالاتهم واحتوائهم من مخاطر الانزلاق في متاهات مواقع التواصل الاجتماعي العابثة والرديئة. إن مواقع التواصل الاجتماعي بكافة أنواعها وشرائحها، إن لم نحسن استخدامها كما ينبغي ويجب وبالصورة الأمثل المفيدة والآمنة والأمينة، فهي كالآلة الحادة، وكالسم الزعاف اللذين يؤديان للموت والفناء.