عبدالعزيز السماري
بحث السومري جلجامش عن سر الخلود في هذه الحياة، لكنه أدرك بعد معاناة أن الفناء مصير لا حياد عنه، وأن الخلود يكون فقط بالأعمال العظيمة في هذه الحياة، لكن يبدو أن قلق الإنسان بفكرة الخلود عاد من جديد إلى هذا العصر، ومن خلال شركات التقنية الحيوية، التي تبحث عن الأرباح الخيالية من خلال بيع أسرار الحياة.
تتحدث الأبحاث العلمية عن ما يسمى بالخلايا السنية أو الهرمة، أو «خلايا الزومبي» التي تضررت وتوقفت عن الانقسام في جسد الإنسان المسن، وعن مقاومتها للموت، وتراكمها مع التقدم في السن، والحقيقة العلمية تقول إن الجهاز المناعي يصبح بالفعل غير قادر على إزالتها، وهو ما جعلها المادة الرئيسية في أسباب شيخوخة الإنسان، أو على الأقل المسؤولة جزئيا عن معظم الأمراض المرتبطة بطول العمر.
التفكير العلمي وصل إلى مرحلة تطوير علاجات للتخلص من هذه الخلايا المتشيخة كجانب أساسي في السعي العلمي الجاد إلى هزيمة الشيخوخة، ومن ثم الحفاظ على صحة الناس لفترة أطول، وقد تأسست شركات في التقنيات الحيوية للاستثمار في مهمة إيقاف خلايا الزومبي..
أشغل هذا المفهوم الحيوي مخيلة المستثمر، إذ لم يعد المطلوب مجرد تباطؤ في عمر الخلايا على مدار الساعة، ولكن العمل على تجديدها، ويقول أحدهم، وهو أوبري دي غراي، الذي ساهم لما يقرب من عقد من الزمان في هذه المجال» أن دعم هذا المجال هو من أجل القضاء على الشيخوخة، وإطالة العمر الصحي إلى ما لا نهاية.
دخل وصف الخلايا الهرمة في السجلات العلمية لأول مرة في أواخر 1950، لكن الاهتمام بها ازداد في عام 2008 عندما تم الكشف عن طبيعتها المظلمة والمرضية، حين تم اكتشاف أن هذه الخلايا تفرز خليطًا من العوامل الضارة التي تسمم الأنسجة المحيطة بها، ويؤدي إلى حالة من العفن في كل شيء حوله، وبالتالي يكون عاملاً رئيسيًا لكل الأمراض الهامة المرتبطة بالعمر.
في عام 2011، أظهر يان فان ديورسن وزملاؤه في منظمة «مايو كلينيك» الطبية أن القضاء على الخلايا المتشيخة في الفئران عن طريق خدعة وراثية قد أدى إلى تأخير بعض عوامل التلف في العمر عند الفئران التي مضى عليها العمر قبل الأوان، وأظهرت دراسة متابعة لها نفس النتيجة.
وقد بدأت بالفعل صناعة عشرات الأدوية التي يمكن أن تمسح خلايا الزومبي من جسد الإنسان، ويقول كيث ليونارد، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة يونيتي: «إن الحبة أو الحقنة التي من شأنها تنظيف الخلايا المتشيخة في جميع أنحاء الجسم بأكمله ستغير مفهوم الحياة، ولكن علينا أن نكون حذرين للغاية».
قد تبين في بعض الدراسات أن تخليص الخلايا المتشيخة في الفئران قد يؤخر أو يخفف أمراض الشيخوخة من ضعف القلب والأوعية الدموية إلى هشاشة العظام، إلى الاضطرابات العصبية، ويبدو أن معظم هذه الفوائد التي نراها في الفئران قد تساهم في تطبيقات أكثر تطوراً على الإنسان..
وقد اختارت مجلة نيتشر الشهيرة قبل عام عنواناً مثيرًا لهذا الحراك العلمي، وهو من أجل تظل شاباً، اقتل الخلايا الزومبي في جسدك، وقد يكون الطرح العلمي مثيرًا في موضوعه، لكنه بالتأكيد لن يغير على الإطلاق مفهوم أجل الإنسان في هذه الحياة، لكنه قد يطور مفاهيم الصحة بين البشر..
ومن يُريد أن يعيش إلى الأبد؟ لو تنجح في الواقع تطبيقات هذا الطرح العلمي على الإنسان، قال شاعر العرب الحكيم زهير بن أبي سلمى: سئمت تكاليف الحياة ومن يعش،،، ثمانين حولا لا أبا لك يسأم...