د. محمد عبدالله العوين
لم تكن هي المرة الأولى التي اندلق فيها لسان الرئيس ترامب بالكلام الشاط الخطأ بإظهار العلاقة بين المملكة وأمريكا بأنها قائمة على معادلة «الدفع مقابل الحماية»!
فقد دأب ترامب في أثناء حملاته الانتخابية قبل وصوله للرئاسة على ترديد هذه المقولة «السخيفة» محاولاً دغدغة عواطف الناخبين المنتمين إلى ثقافة «الكابوي» ثقافة لا ترقى إلى مستوى الوعي بطبيعة العلاقات بين الدول، ولا معرفة عميقة لديهم بتاريخ ومكانة وقوة السعودية، يوجه خطاباته إلى طبقة شعبية لكسب أصواتهم والتأثير فيهم عاطفياً ليقفوا معه ويؤيّدوه للوصول إلى سدة الرئاسة، وها هو قد وصل؛ لكنه لا يريد أن يفرّط أيضاً في الفرصة الثانية فيكرر ما اعتقد أنه نجح فيه المرة الأولى، ويقع في الخطأ الشنيع نفسه؛ فكان لا بد من الرد عليه؛ خاصة بعد أن تلقف المتربصون في «حلف الشر: إيران، تركيا، حزب الله، تنظيم الحمدين» مقولاته «الحمقاء» المفتقدة للياقة الأدبية ولذوق الخطاب الرئاسي والدبلوماسي الرفيع.
تصدى صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للرد على مزاعم ترامب رداً حكيماً بليغاً راقياً واثقاً واعياً بأسس العلاقة الإستراتيجية بين المملكة وأمريكا منذ وضع بنيتها الأولى المؤسس العظيم الملك عبد العزيز - غفر الله له - والرئيس روزفلت عام 1945م على متن الطراد «كوينسي» في لقائهما الشهير في البحيرات المرة بخليج السويس قرب نهايات الحرب العالمية الثانية.
وقد بيَّن سمو ولي العهد أن العلاقة بين الدولتين قامت على مبادئ واضحة وجلية؛ وهي تبادل المصالح المشتركة بين الدولتين والحفاظ على استقلال قرار المملكة السياسي والاقتصادي وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وتطورت تلك العلاقة بمرور الزمن في كل المجالات، ولم تمر بفترات توتر أو اختلاف في المواقف السياسية إلا في ظروف قليلة استدعت أن تمارس المملكة دورها وتعلن موقفها؛ حماية لسيادتها، كما حدث مع السفير الأمريكي إبان عهد ريجان، أو في حرب أكتوبر عام 1973م حين قطعت المملكة إمداد أمريكا وأوربا بالبترول في عهد الملك فيصل، أو في فترتي أوباما السيئتين حين تواطأ مع قوى الشر لتمزيق المنطقة العربية باسم مخطط «الشرق الأوسط الجديد» وأشعل فتن «الربيع العربي» المزعوم.
أبان ولي العهد للرئيس ترامب ولغيره ممن يدور في فلك دعاواه تاريخ المملكة الذي يسبق تأسيس أمريكا بثلاثين عاماً حين أعلن الإمام محمد بن سعود - رحمه الله - قيام الدولة السعودية الأولى عام 1744م / 1157هـ وفق رؤية شاملة ورسالة وطنية وعربية وإسلامية وإنسانية، ووقتها كانت أمريكا تعيش تحت رحمة قانون الغاب.
ذلك التاريخ كان بدءَ تكوين الدولة السعودية الأولى؛ لكن مبادئها وقيمها ورسالتها وإبداع شعبها يسبق ذلك التاريخ بآلاف السنين؛ فهي كحضارة وتاريخ تفوق ثلاثة قرون بعشرات الآلاف من السنين قبل الإسلام وبعده. يتبع