د. خيرية السقاف
كلما اتسعت حجرات ومساحات وردهات المنازل احتاجت إلى يد عاملة لتنظيفها, وفكر صاف لترتيبها, ناهيك عندما تكون لأكثر من طابق, وذات حدائق..
ولأن الناس تعودت على ذلك بنسبة كبيرة منهم, لأن الأسرة في البيت الواحد في الغالب ممتدة من الوالدين للأبناء باختلاف مراحل أعمارهم, ولهم متطلبات خدمتهم على مدار الساعة, ولأن
البيت الواحد فيه حاجة الإنسان للأكل وللشرب وللنظافة الشخصية فإن الخدمة المطلوبة لا تقتصر على تنظيف البيت بل تمتد للغسل وللطبخ وللمتابعة كل ما يخلفه الفرد الواحد مما يحتاج إلى خدمة..
ولأن التربية الذاتية أسفًا لم تعنَ بتدريب الفرد منذ طفولته على خدمة ذاته فإن الجميع يحتاجون لمن «يخدمهم» حتى في إيصال كأس ماء من البرادة إلى حيث يجلسون!!..
هذا الذي وضع المجتمع بعناصره, وكل بيوته في مسار الاستقدام, واستفحل الأمر أن تعامل الكثير ممن لا يحصلون على تأشيرات استقدام لسبب ما مع العمالة غير النظامية, ولهذه القضية تقاطعاتها, وحيثياتها وواقعها غير النظامي بجميع تفاصيله..
ولأن دولبة الواقع تغير اتجاهها, وضرب النظام على كل ما من شأنه تعطيله, انتظم الجميع بأن تكون العمالة المنزلية في بيوتهم بشكل قانوني, وأفسح النظام للشركات أن تتولى الكثير من أمر توفير العمالة ولكن أصبحت سيفًا على رقاب الناس لعلو سقف متطلباتها, وأسعارها التي تفوق قدرة الكثير, بل في تبدل العمالة بين فينة وأخرى لأسباب تدخل ضمن قائمة الشروط بينهما «الشركة والمستفيد», ولا تزال في بعض مدن تسرح العمالة غير النظامية في بيوت العجزة المضطرين, وذوي الدخل الميسور غير القادرين على المقابل المادي للشركات, أو للاستقدام, مع أن عشرين وثلاثين عاما كان سعر استقدام العاملة والسائق للمنزل لا تفوق خمسة آلاف ريال, أو أكثر قليلا.. والمسافة واحدة, والدول المستقدم منها هي لم تتغير, ويبدو أن الإجراءات أيضًا لا ما اعتراها من تغيير يذكر فيوجب هذه المبالغ المرتفعة جنونًا..
ولأن الناس لم تهدم بيوتها لتحد من مساحاتها!!, ولأن الشباب كبروا وابتعد عنهم أبناؤهم, ولأن الكبَر, وربما العجز داهمهم, ولا يقوون على خدمة أنفسهم, ولا بد لهم من معين, ولأن الشباب انخرطوا في سلك العمل, ولا وقتا كافيا لديهم لخدمة تامة في بيوتهم المستَجدة, فإن أمر وجود العمالة المنزلية لا يزال حاجة قائمة, ولكنها بواقعها الراهن مكلِفة جدًا, بل تفوق القدرة المالية للفرد الواحد ما لم يكن من الأثرياء!..
ثمة شأن آخر وهو من أين الاستقدام؟!
بالأمس أزاحت الأخبار عن عودة الاستقدام من إندونيسبا, وإثيوبيا..
ولئن كانت التجربة الطويلة مع العمالة الإندونيسية تؤكد جودتها, وقربها من عاداتنا, وتقبلها للمعيشة بيننا برفق, وما الحالات التي قضَّت مضجع اطمئنانا إلا قليلة لا تقارن بسنوات طويلة كانت فيها النماذج جيدة, رؤوفة, صبورة, معطاءة اندمجت بالناس بحكم الدين الواحد, والثقافة الشبيهة, حتى إن كثيرًا منهم باتوا أفرادا في أسرنا, زمنا, وعلاقة, بعمل مخلص, إلا أن الأحداث التي تكررت ولا تزال من العمالة الإثيوبية فيها ما لا يطمئن إلا في حالة حصر الاستقدام على الفئات التي ليس في ثقافتها ما يقلق, ولكن كيف؟
ربما يكون التطلع في مستقبل يعتمد فيه الفرد على نفسه في خدمته الذاتية, وخدمة بيته, بتغيير نظام البناء الواسع الشاسع, وثقافة الاستكثار من كل شيء كبيرًا وصغيرًا, ملعقة, وسيارة, وخادمة, وسائقًا!!..
تخلو فيه البيوت من الحاجة الماسة إلى الطارئة, بتوفيرها في يسر, ومقابل يتفق مع دخل جميع أفراد المجتمع, بضوابط اختيار دقيقة لمن يدخل البيوت ويقدم فيها خدمته دون أن يغتال فرحتها وأمانها.