هدى بنت فهد المعجل
على مقاعد الدراسة الجامعية حفظت عن ظهر قلب مع الزميلات والأستاذ الكفيف قول الشاعر:
يخاطبني السفيه بكل قبحٍ
فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلما
كعود زاده الإحراق طيبا
استمتعت وأنا أردد الأبيات غيباً.. ولمست فيها لذّة لاتقاوم. ومعنى عميقاً سابر الأغوار بعيد المدى..!!
ثم مضت بي الشهادة الجامعية حيث معترك الوظيفة فولجت بوابتها، وجبت دهاليزها فآخيت فلانة وزاملت أخرى وصادقت تلك ولسان حالي ما زال يردد مع الشاعر البيتين إلى أن وجدت الزميلات والصديقات يكتسبن مني الترديد أو يكملن خلفي الأبيات ما أن ينطلق لساني «يخاطبني السفيه...» فتظهر على شفتي ابتسامة رضى وخجل في آن واحد.
حاولت كثيراً استرجاع موضوع المحاضرة التي استدعت هذين البيتين فعجزت ونسيت مسمى المادة وأستاذها.
على مقاعد الدراسة ما أن قرأت البيتين أعجبت بهما لدرجة الحفظ ومع الأيام تعمق فهمي لهما وأثناء تعاملي مع الآخرين أو اصطدامي بهم أجدني أتعمق أكثر فأكثر في المعنى فهذبت سلوكي بهما أو هكذا شعرت وأدرت ظهري للسفهاء بسببهما.. قد يكون السفيه طفلاً وربما هو يافعاً وكثيرا ما يكون السفيه ناضجاً مكتمل النضج إلا أنه لم ينتفع بنضجه في تهذيب سلوكه فأقابل قبحه بالحلم والأناة والسؤال: لماذا؟ لماذا ضمّن الشاعر الأبيات الدعوة لإدارة الظهور في وجه القبح أو مقابلتها بالحلم..؟ ولماذا أخذت بدعوته وطبقتها في حياتي كلها «تقريباً»؟ وهل خرجت بنتيجة إيجابية من جراء تطبيقي لها؟ أسئلة تجيبون عليها إن أخذتم بتوجيه الشاعر وسرتم على طريقته عن قناعة، ودون تقليد.. عندها ستدركون أن الحلم في وجه السفهاء نعمة وسلامة لكم ولأبدانكم وعقولكم، وراحة لبالكم واطمئنان.
فسرعة الغضب وفوران الدم أضحت السمة البارزة للبشر والعرب بالذّات، وما تفشّي جرائم القتل ووسائل التعذيب والإرهاب وكثرة التهديد والوعيد إلا بسبب فقد الفرد للحلم وكظم الغيظ.. بالإضافة إلى كثرة السب والشتم.
ولدى الشباب من الأولاد اعتقاد أن الشاب الذي يتلقى أذى من فلان من الناس ولا يقابل أذاه بأذى مماثل أو أشد وأنكى هو شاب ضعيف الشخصية جبان.. ومدارس الأولاد تؤكد ذلك ويثبته استشراء الخلافات بينهم والمشاكل والمضاربة.. بل إن أحدهم يتحدى الآخر أن يرد على فلان الذي ضربه أو سبّه فيستشيط غضبا ويهيل عليه سيلا من الشتائم وعدة لكمات فقط ليرد على ذاك تحديه.. فأينهم.. أين الشباب.. أين الأولاد من الشاعر ذلك؟ دور الأحداث ضاقت بمن فيها.. والإصلاحات أو السجون كذلك وعند سؤالهم عن سبب إقدامهم على فعل الخطأ الذي اقترفوه يقولون هو الشيطان تمكن منّا في ساعة غضب فارتكبنا ما ارتكبنا من ظلم في حق أنفسنا والآخرين..!
أولو أنهم تمثلوا قول الشاعر هل تراهم أقدموا على ما أقدموا عليه..؟؟ حليم في مواجهة مع سفيه..!!
قبح يقابله تصرف جميل..!!
كيف هي النتيجة.؟
عود طيب احترق فزاده الاحتراق طيبا على طيب.
فالحليم لابد أنه قد أحس باحتراق داخلي، بغليان بفوران الدم بسبب خصمه القبيح بيد أنه تغلب عليه.. تغلب على احتراقه الداخلي على غليانه على فوران دمه وتوشح بوشاح الحلم فأحرج الطرف المقابل السفيه قبيح الأفعال والأقوال وفاحت أطايبه وزكمتنا نتانة السفيه القبيح.