عروبة المنيف
تتعدد أساليب العنف ضد النساء، ويُعتبر العنف الجسدي أكثرها شهرة؛ إذ يتبادر للذهن فعل الضرب عند ذكر مصطلح العنف، على الرغم من أنه - إحصائيًّا - يعتبر الأقل عند مقارنته بـ«العنف النفسي» الذي تتجاوز نسبته الـ46 %. فالعلاقات الجنسية القسرية الزوجية، والإيذاء اللفظي عن طريق الاستهزاء بالمرأة، وتحقيرها، ونعتها بالأوصاف السيئة، والتحكم بالمرأة، ومنعها من مشاركة المجتمع والانخراط فيه، كمنعها من زيارة أهلها وأقربائها وصديقاتها، هذه جميعها تندرج تحت مسمى «العنف النفسي» الذي يمارَس بشكل يومي، وتتم مباركته من قِبل مرتادي أقنعة الدين، والدين منهم براء.
لقد أثار الإعلام المحلي مؤخرًا قضية عضل «فتاة» من قِبل أخيها. إن قضية العضل التي تعاني من تبعاتها هذه الفتاة تندرج تحت مسمى «العنف النفسي» الممارَس ضد المرأة؛ فقد مارس الأخ سلطة التحكم على أخته برفضه تزويجها بمن ارتضته شريكًا لحياتها. تلك الفتاة ابنة السابعة والثلاثين عامًا، المتعلمة والقيادية، التي لم تقنع بتصرف أخيها بعضلها لمدة سبع سنوات متتالية، يتردد فيها الخاطب على أخيها طالبًا الارتباط بها، والأخ يرفض تزويجها متحكمًا بمصيرها وحياتها؛ ما اضطرها لرفع شكواها للمحكمة طالبة الإنصاف؛ فهي تريد الزواج قبل أن يفوتها القطار؛ لتفاجأ برفض محكمة الاستئناف طلبها في الزواج بمن ارتضته زوجًا لها، وكسب أخوها القضية بحجة عدم التكافؤ الديني، حسبما تم الإعلان عنه في الخبر؛ فهو يعزف على آلة العود!
إن خروج الفتاة في أحد البرامج التلفزيونية للتحدث عن قضيتها وعن حيثيات الحكم يؤكد رشد الفتاة وعقلانيتها عندما قالت: «إن قضيتي هي قضية عتق رقبة، لا قضية عضل فقط. والعمر لا ينتظر حتى أُحرَم من الأمومة». واستشهدت بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير».
نحن نستشهد دومًا بالسنة النبوية، وكيف أن سيدتنا خديجة - رضي الله عنها - خطبت سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وارتضته زوجًا لها وهي تكبره بخمسة عشر عامًا، لتمنع إنسانه راشدة عاقلة متعلمة قيادية «ابنة السابعة والثلاثين» بعد ألف وأربعمائة وأربعين عامًا من الزواج بمن ارتضته شريكًا لحياتها بعضل وليها لها، وبالقانون.
نتساءل هنا: هل عازفو العود جميعهم خارجون عن الملة؟! وإن كانوا كذلك فلماذا تشجع الدولة الموسيقى والموسيقيين كسياسة ترفيهية وتعليمية أيضًا؟!؛ إذ سيتم فتح أكاديمية للموسيقى، تمنح درجة الدبلوم والبكالوريوس في الموسيقى! حسبما أعلنه رئيس جمعية الثقافة والفنون منذ أيام! ألا يستدعي الأمر المراجعة والفحص والتدقيق قبل الحكم على القضية حتى يكون هناك تماشٍ مع سياسة ورؤية الدولة؟!
إنَّ التفسيرات الخاطئة للدين، كقضية العضل المؤسفة التي ذكرناها، تسير في عكس الاتجاه الذي تسير به الدولة وقيادتها الحكيمة من تطوير وتمكين للمرأة؛ ما سيؤدي إلى ازدياد حالات «العنف النفسي» الممارَس ضد المرأة، وإلى مزيد من العضل والعنوسة بين النساء، ولن يعالج تلك القضايا فتوى من أحدهم تشجع التعدد!! فالمعدد لن يتزوج بابنة «السابعة والثلاثين» ما دام لديه الخيار للاقتران بابنة العشرين ربيعًا.