م. خالد إبراهيم الحجي
عندما نتحدث عن تخطيط وتصميم وإنشاء مناطق التمدد العمراني الجديدة في المدن الكبيرة أو مدن المستقبل الجديدة يدور الحوار والنقاش والجدل دائماً عن الحلول الهندسية الحديثة أو المبتكرة التي تعالج التلوث البيئي، وتحافظ على نظافة البيئة، وتحقق أسس العمارة الخضراء ومتطلبات البيئة المستدامة. ومن هذا المنطلق فإن الاستدامة لم تعد خياراً بل أصبحت ضرورة ملحة لتحقيق توازن النظام البيئي؛ لأن استدامته أمر حيوي لمستقبل الأجيال القادمة. والمشاريع الهندسية التي يتجاوز عمرها الافتراضي (100) عاماً مشاريع استثمارية طويلة الأمد، وتعتبر تركة وإرثاً باقياً للأجيال القادمة، مثل: مشاريع البنية التحتية التي تحتاج إلى حفر الخنادق والأخاديد في وسط الشوارع والطرق أو على جوانبها لوضعها تحت سطح الأرض، وتشمل شبكات الخدمات العامة التالية: أنابيب مياه الشرب وأنابيب الصرف الصحي، وأنابيب تصريف مياه السيول، وأنابيب شبكات الغاز، وكابلات شبكات الكهرباء العامة، وكابلات الاتصالات. ومع استمرار النمو السكاني والتوسع العمراني والتطور التكنولوجي في المستقبل القريب سيتم إضافة أنواع جديدة من خطوط الخدمات العامة تحت سطح الأرض، مثل: أنابيب مياه الصرف الصحي المُعَالَجَة العائدة لأغراض ري المزروعات في المنازل والشوارع والحدائق العامة، وخطوط أنابيب الهواء المضغوط لنقل النفايات البشرية الصلبة من المنازل السكنية والمراكز التجارية، ودفعها إلى مراكز التجميع الرئيسي لكبسها ونقلها في الحاويات إلى محطات المعالجة، وأنابيب الشبكات الحرارية المعزولة الـ (تيلي - هيتينج) الخاصة بالتبريد والتدفئة وتسخين المياه مركزياً وتوصيلها إلى الأماكن السكنية والتجارية.. وطريقة تنفيذ مشاريع البنية التحتية التقليدية المعتادة التي تعتمد على حفر الخنادق والأخاديد لدفن خطوط الشبكات العامة ورصفها هي الطريقة الأكثر استخداماً في معظم دول العالم، ومن عيوبها أنها تظل مكشوفة لعدة شهور فتُعرض المشاة والسيارات للخطر الشديد، وتعرقل حركة المرور، وتسبب التجاويف والهبوط والتدهور والحُفر العميقة والخراب لأسطح الشوارع والطرق المعبدة، وتكرار الحَفْر والرصف وزيادة مساحته مرة بعد الأخرى من قبل شركات الخدمات العامة، بالإضافة إلى سوء المصنعية، وانعدام الاحترافية المهنية، وإنهاء الأعمال بعشوائية يترتب عليها العجز الدائم عن إعادة الشوارع والطرق إلى وضعها الأصلي فتشوه الرافق العامة وتضر البنية التحتية للوطن.. وفي الوقت الحاضر، مع التقدم العلمي والتطور التكنولوجي يمكن استخدام الحلول العصرية الحديثة القائمة على الأسس العلمية الصحيحة، والممارسات المهنية الاحترافية في وضع وتركيب شبكات الخدمات العامة بأعلى كفاءة وفعالية وفقاً لمعايير استدامة البيئة العالمية بتوظيف التكنولوجيا الحديثة في حفر أنفاق البنية التحتية تحت سطح الأرض، لاحتواء وضم جميع خطوط شبكات الخدمات العامة التقليدية والحديثة وما يستجد في المستقبل، وكل ما يتصل بالبنية التحتية، وإنشائها بأحجام مناسبة جيدة الإضاءة والتهوية تتسع للعمال والفنيين للوصول إليها مع المعدات اللازمة بسهولة ويسر لإجراء التفتيشات المجدولة، والفحوصات المنتظمة، وأعمال الإصلاحات والصيانات الدورية، وسهولة التغيير والاستبدال دون التأثير على البنية المحيطة بها فوق سطح الأرض.. والأنفاق تعتبر مكاناً آمناً وحصناً منيعاً وعمرها الافتراضي طويل جداً يعوض تكاليفها الرأسمالية على المدى الطويل بتوفير تكاليف الحفر والدفن والرصف لأعمال الإصلاحات والصيانة المتكررة أو مد خطوط الخدمات الجديدة، وعلاوة على ذلك، تُسهم في تعزيز نظافة البيئة وجمال المدن، وتعتبر حلاً هندسياً مناسباً يحتاج إلى برنامج إستراتيجي طويل الأمد يقوم على التعاون الهندسي والإداري والمالي بين شركات الخدمات العامة في القطاع الخاص والهيئات الحكومية المختصة؛ لإنشاء أنفاق مناسبة تتسع لجميع خطوط شبكات البنية التحتية، يُحَدَد فيها أماكن ومسارات خطوط الخدمات العامة بحيث لا تؤثر على بعضها البعض وفق اللوائح التنظيمية، والمواصفات العالمية في الدول التي طبقتها بالفعل على أرض الواقع منذ عقود، مثل: برلين وهلسنكي وستوكهولم وبرشلونة وطوكيو وبعض مدن دول أمريكا الشمالية.
الخلاصة
إن التركيز بجب أن يستمر لاستكشاف كيفية جعل حلولنا الهندسية أكثر مرونة ومدننا أكثر استدامة.