د.مساعد بن عبدالله النوح
الشباب هم الفئة الغالبة في الفئات العمرية في المجتمعات المعاصرة، ويشكلون نسبة مرتفعة قياساً لنسب الفئات العمرية الأخرى، وبدرجات مختلفة من مجتمع إلى آخر. وقد تسابقت حكومات هذه المجتمعات باحتوائهم من خلال توليد فرص وظيفية، وزيادة الطاقة الاستيعابية في القبول الجامعي وبرامج الدراسات العليا والتوسع في توطين وظائف سوق العمل التي تشغلها العمالة الوافدة.
والمملكة العربية السعودية، هي واحدة من المجتمعات التي شكلت فئة الشباب فيها نسبة مرتفعة، فقد كشف تقرير إحصائي قديم نوعاً ما، صادر عن الهيئة العامة للإحصاء، نشره موقع صحيفة مال الاقتصادية في 26 ديسمبر 2016 أن نحو 11.74 مليون نسمة من السعوديين تقل أعمارهم عن 30 سنة، يمثلون 58.5 % من إجمالي السكان السعوديين، وبإضافة الذين تقل أعمارهم عن 44 عاماً، ترتفع تلك النسبة إلى نحو 80.8 % بإجمالي يقدر بنحو 16.2 مليون نسمة.. وبالتالي فإن أعمار السعوديين تتركز بشكل كبير في الفئات العمرية الأقل من 44 عاماً وهو ما يشير إلى أن مرحلة الشباب هي أهم ما يميز تلك المرحلة من تاريخ المملكة. كما أشارت الهيئة العامة للإحصاء أن عدد السكان في السعودية سيرتفع إلى 25 مليون نسمة عام 2025، مع توقع زيادة في عدد السعوديين في سن العمل إلى 9.17 مليون في العام ذاته بنسبة 72 %.
وتعني القراءة الأولية لهذه الأرقام أنه من الواجب بمكان العمل على مواجهة النمو المتزايد للشباب ليس بتهيئة فرص دراسية تتناسب والزيادة في أعداد الشباب، وتتواءم مع رغباتهم وقدراتهم وتوجهاتهم المهنية فحسب، بل تعني العمل على توفير فرص نمو مهني لهم تتناسب وحجم الطلب من خلال جهات رسمية؛ لمواجهة حركة سوق العمل وظروفه بحكمة واقتدار.
وهذه القراءة تنسجم مع أحد أهداف برنامج التحول الوطني 2020: المساهمة في توليد الوظائف: تسهم مبادرات برنامج التحول الوطني في توليد أكثر من 450 ألف وظيفة في القطاعات غير الحكومية بحلول عام 2020، بما يسهم في تحقيق هدف رؤية المملكة العربية السعودية 2030 في رفع مساهمة القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي.
كما تنسجم مع أحد محاور رؤية الدولة2030 اقتصاد مزدهر، وهو يتطلب تنافسية جاذبة؛ لأن الانفتاح على التجارة والأعمال سيمكن الدولة من النمو والمنافسة مع الاقتصاديات الأخرى، كما يتطلب فرصه مثمرة؛ لأن مهارات أبناء المجتمع السعودي وقدراتهم من أهم الموارد وأكثرها قيمة لدى قيادته وحكومته.
وقد جاء توطين وظائف عدة في القطاع الخاص السعودي استجابة لبرنامج التحوّل ورؤية الدولة، وعلى الرغم من أنه بطيء، إلا أنه يسير في الاتجاه المرغوب فيه. وذلك لأسباب، منها: عزوف بعض الشباب السعودي عن العمل في مواقع محددة؛ لتدني مكانته الاجتماعية، ومنها الجهل بأساسيات سوق العمل، ومنها التربية الأسرية التي تجعل أبناءها غير محتاجين للمال، على الرغم من أن العمل ليس لأجل المال وحده.. وقد كثر تناول هذه الأسباب في كتابات التربية المهنية.
ويعزز هذه الأسباب انتشار حالات تقبيل المحال التجارية بعد افتتاحها بشهور، أو إغلاقها لساعات طويلة من اليوم، أو تقادم البضاعة فيها، فتحدث الخاسرة المالية والنفسية للشباب. ولمواجهة هذه الأسباب، أي ضعف الإقبال على وظائف كانت تشغلها عمالة وافدة، الأخذ بالتهيئة المعرفية والمسلكية للشباب الراغبين دخول سوق العمل إلى ثقافة العمل من خلال برامج توعوية ودورات تدريبية تسبق السماح لهم بافتتاح مشروعات صغيرة، وهذا حل مشروع وميسور.
ومن مبررات تهيئة الشباب لسوق العمل، أن كثيراً منهم يواجه غموضاً في تحديد أهدافه، وضعف خدمات التوجيه المهني المتوافرة، إلى جانب قصور المعرفة لديه بالمؤسسات التدريبية المعنية بتهيئته مثل: معهد الملك سلمان لريادة الأعمال، وما في حكمه في الجامعات والغرف التجارية، إذ إن التهيئة هي أولى خطوات بناء شخصيّة التاجر المبتدئ.
ومن قيم العمل المتوقع أن يتحلى بها التاجر المبتدئ من برامج التهيئة، تعميق الإيمان بفائدة العمل، وإتقانه، والإخلاص، وتعزيز الشخصية، والمصداقية، وتحمّل المسؤوليّة، فهو يدرك حجم المسؤوليّة الواقعة عليه والمستعد تحمّلها على نحو مناسب، ومن صور تحمل المسؤولية مواجهة تعدد الأعمال في سوق العمل، وصعوبتها، وحساسيتها.
ومن قيم العمل المنتظر تحققها تصحيح الاعتقادات الخاطئة لديه نحو بعض الأعمال الحرة، ومنها اعتقاد العيب الذي يقوم على فكرة رفض القيام ببعض الأعمال بحجّة عدم تناسبها مع وضع الشّاب الاجتماعي أو التّعليمي، فإذا أكسبت برامج التهيئة الشاب هذه القيمة فلا يلتفت للكثير من الاعتقادات التي لا تقوم على أسس سليمة.
ومن المهارات المتوقع أن يكتسبها التاجر المبتدئ إكسابه مهارات أخرى مثل: مهارات الاتصال، ومهارة بناء الفريق، والعمل ضمن المجموعة، ومهارات استخدام التّكنولوجيا بأشكالها المختلفة، وإنّ من شأن تزويده بالمهارات تلك أن يصبح على قدرٍ عالٍ من التهيئة.
ومن المهارات تزويده بخبرات كبار رجال الأعمال وشباب الأعمال من خلال استضافة مؤسسات التهيئة لهم؛ لتقديم ورش عمل ومحاضرات وندوات تقدم له كفاح سنين مليئة بالصعاب والنجاحات.. هذه العوائد من برامج التهيئة تنسجم مع التوجيه الكريم في قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (النحل: 97)، وقوله صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب المؤمن المحترف)، وقوله صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)، وقوله صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب المؤمن القوي).. حفظ الله شبابنا وسدد فكرهم وسلوكهم.