فوزية الجار الله
أشعر بالامتنان الشديد للكتابة فهي ملاذي والصديق القوي الوفي الشامخ المتألق الذي يحتويني حين تتيه بي الدروب الملونة، المعتمة وربما الشائكة حتى أكاد أفقد صوتي، تأتي الكتابة نهراً جارفاً ساحراً تعيد إلي توازني، تجعلني أعيد ترتيب مشاعري وأحاسيسي بين ما يستحق أعماق القلب، وبين ما تحتويه غرف الذاكرة وبين ما يترك في خانة العدم..
أكتب هذه السطور بعد لحظات من سماعي ذلك الخبر المفجع لوفاة أخت زميلة ما زالت حاضرة في القلب والذاكرة، لطالما أسعدتني ابتسامتها وروعة حضورها، رأيتها لمحات خاطفة في بعض المناسبات هنا وهناك، بين الفينة والأخرى ثم استمتعت ذات مساء بلحظات أثيرة في ضيافتها، في دارها، كانت أحاديثها لا تمل، تبدو كلماتها موشاة بخفة روحها، شفافيتها ونقاء سريرتها، كم تمنيت لو منحتني الأيام فرصة للقائها مرة أخرى والاستمتاع بأحاديثها.. هي الدكتورة أمل الفريح، الأستاذة الجامعية، إحدى عضوات التدريس في جامعة الملك سعود التي قدمت كثيراً من الوقت والجهد لجمعية مودة، تلك الجمعية التي كرست جهودها للاهتمام والرعاية والعناية بشؤون المطلقات.
كثيرون يخشون أحاديث الموت، لكنه حقيقة باقية بيننا هو الوجه الآخر للحياة وهو النهاية الحتمية لكل حي، أمامه تتوقف أفكارنا وخططنا ونسلم إيماناً بقوة الله وقضائه وقدره من خلال عبارة نرددها من نفحات الآيات الكريمة «إنا لله وإنا إليه راجعون».. رغم فداحة الموت وذلك الوجع المرير الذي يتركه في الأعماق إلا أنه يمنحك نضجًا واتساعًا في الرؤية ووعيًا شديدًا لحقيقة الحياة، وحده الموت قوة دافعة للحب والعطاء، تود أن تقدم أقصى ما تستطيع وأجمل ما يمكن لنفسك ولمن حولك وللإنسانية بأسرها ما دمت تتنفس الحياة ولديك قدرة على العطاء.
رحم الله د. أمل وغفر لها وربط على قلوب بناتها ومحبيها وذويها.
** للكاتب الروائي محمد برادة رواية بعنوان «موت مختلف».. يقول فيها: «ليس الزمن سوى حاضر مؤلم، محمّل بالذكريات المقتحمة، الطاغية، فلا أستطيع أبدًا أن أحذف صورة واحدة من حياتي... وحدها مشاهد قصيرة قضمتها مثل لحظات خاطفة، تسعفني على الانفلات خارج الحاضر، ومن ثم الانتباه الذي أوليه للعالم، واحتفائي باللقاءات العابرة والانطباعات الهاربة».
ويتحدث عن الموت متسائلاً:
«ماذا لو أن الخالق منحنا فترة نقضيها متنقلين بين الموت والحياة؟ لنجرّب العيش في ذلك العالم الأخروي، ونتمكن من المقارنة لنكتشف فضائل الموت، فقد تكون له فضائل تفوق متع الدنيا العابرة».