خالد بن حمد المالك
اختار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الوقت المناسب للإدلاء بحديثه المهم لـ(بلومبيرغ)، فقد كانت المملكة مستهدفة بكثير من الإشاعات والاتهامات غير الصحيحة، كما كانت - من جانب آخر - بوزنها السياسي والاقتصادي ودورها الأمني تحتاج إلى التعريف بالموقف السعودي أمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا، في ظل ظروف أمنية تعصف بالمنطقة بسبب الإرهاب المدعوم من إيران وقطر، وحيث يواجه النفط تقلبات في أسعاره.
* *
ولا بد أن هذا اللقاء سيبقى لفترة غير قصيرة محل تداولات وقراءات وتحليلات من زواياه المختلفة، فقد كان شاملاً ومُعَبِّرًا، وشخَّص كل الحالات، وتناول بصراحة ووضوح الموقف السعودي منها، ما يجعل من هذا الحديث يأخذ كل هذه المساحة من الاهتمام، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي والدولي، والأهم من ذلك أنه أسكتَ كلَّ ما كان يقوله الأعداء من كلام رخيص وكاذب ولا يُعَبِّر عن الواقع.
* *
ومثل هذا اللقاء كان فرصة لتجديد الحديث مع محمد بن سلمان عن اعتقالات فندق الريتز كارلتون، وحجم المبلغ الذي تم تحصيله من المعتقلين، فأشار إلى أنه أكثر من 35 مليار دولار، وسيصل خلال العامين القادمين إلى الرقم النهائي، حُصِّل حتى الآن 40% من المبلغ الحالي على شكل نقد، و60% الباقية على شكل أصول، النقد يُرسَل لوزارة المالية، والشركات والممتلكات تُدَار من قِبل «استدامة»، وسوف يُغلق هذا الملف بأكمله بعد عامين من الآن.
* *
كما لم يغب السؤال عن الحرب في اليمن، وتطور الصراع، ومتى سينتهي، فأكد سموه تمنياته بأن ينتهي ذلك في أقرب وقت ممكن، وزاد على ذلك بأننا لا نريده على حدودنا، وفي المقابل لا نريد أن يكون هناك حزب الله جديد في شبه الجزيرة العربية، مؤكدًا أن هذا خط أحمر، ليس بالنسبة للسعودية فحسب، وإنما للعالم أجمع، موضحًا بأنه لا أحد يريد وجود حزب الله في مضيق يمر من خلاله نحو 15% من التجارة العالمية.
* *
وبصراحته المعهودة، وامتدادًا للحديث عن اليمن، وحين كان السؤال ما إذا كان ذلك شكَّل ضغطًا كبيرًا على علاقات المملكة مع حلفائها مثل بريطانيا، قال سموه إن تدخل المملكة مسألة متعلقة بالأمن القومي، وليست مخاطرة بالعلاقة مع الدول الأخرى، ونأمل أن يتفهموا ذلك؛ نحن نحاول إقناعهم، ونعتقد أنهم يتفهمون مخاطر ذلك على تلك المنطقة، ولكن إذا كان سيخلق مشكلات فليكن، إذ لا يمكن أن نخاطر بأمننا القومي لصالح علاقاتنا مع دول أخرى.
* *
وبهذا يكون ولي العهد قد أوضح موقف المملكة من علاقاتها بالولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها ترامب، وكذلك من كندا، ثم بريطانيا، فالمملكة تنظر إلى مصالحها، وهي دولة كبيرة، ودول العالم تحرص على علاقات متوازنة معها، فهناك مصالح مشتركة، وتعاون في كل المجالات، ولا يمكن للمملكة أن تضر بمصالحها وأمنها القومي على حساب الاحتفاظ بعلاقاتها مع الدول، لكنها تعمل على إفهام الآخرين بمواقفها وسياساتها حتى لا تتأثر هذه العلاقات وتكون الخسارة مشتركة بين الجميع.
* *
والمملكة على امتداد التاريخ لم تكن في حاجة لدعم الدول الأخرى، وإنما كانت مكانها بين دول العالم في الصدارة، داعمة لاقتصاديات العالم، شريكة مع الأطراف في محاربة الإرهاب، ومؤثرة في استتباب الأمن في العالم، بما لا يمكن الاستغناء عنها، أو تهميش دورها، أو القول إنها لم تكن صاحبة حضور فاعل في كل التطورات السياسية والأمنية والاقتصادية على مستوى العالم.
- يتبع -