د.ثريا العريض
حتى كتابة هذا المقال يوم الأحد 7 أكتوبر ما زالت الساحة الإعلامية تتناول ملابسات اختفاء جمال خاشقجي في إسطنبول بعد دخوله مقر القنصلية السعودية لاستلام أوراق وثائق رسمية من مراجعة سبقت بأيام.
علمني تاريخ أوروبا والولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية أستاذ أرمني قدير أثناء الدراسة الجامعية، وكان لأحداث الشرق الأوسط، وتخصصه في العلوم السياسية، وكونه شاهداً عايش تقسيم أرمينيا دور كبير في وضع إطار لطلابه في كيفية فهم أحداث التاريخ وهي تحدث ومستقبل نتائجها. منذ ذلك الوقت وشروحه حية وإثباتها يتكرر.
في صخب اليوم حول «الاختطاف»، أتابع المجريات والمستجدات بتعمق واهتمام مهني، وضمنها تداعيات التصريحات من كل الجهات المطالبة بالتوضيح، وتلك المتبرعة بتقديمها لأهداف خاصة بها، بدءاً بخبر إعلان «باحثة تركية في الشؤون العمانية تدعي أنها خطيبته» بأنها بلغت السلطات التركية باختفائه بعد أن استدعي ليتسلم وثائق معاملات من زيارة سابقة ودخل قنصلية وطنه ثم لم يخرج؛ ورد صاحب السمو الملكي ولي العهد على سؤال حول ذلك ضمن مقابلة أجرتها معه قناة بلومبيرغ. فصرح سموه منذ البدء أن لا مانع من دخول مقر القنصلية للتأكد من تفاصيل المكان. وكاميرات الأمن والشرطة التركية تؤكد دخول الرجل إلى المقر. ولسبب ما غير موضح كاميرات القنصلية لا تعمل. وقد طلبت السعودية تعاون فريق سعودي في إجراء ومتابعة التحقيقات.
ردود الفعل داخلياً وخارجياً رسمياً وإعلامياً وعلى شبكات التواصل تزيد الأمور غموضاً والتباساً للمتابع الراغب في الحقيقة، ولا شيء غيرها؛ من تلك التي توضح فقط ما أثبت حدوثه بدلائل ملموسة، وتلك التي تنزلق إلى تكهنات تستهدي بسيناريوهات استخباراتية عالمية سابقة، ثم التي تدس تفسيرات تجرم المملكة بنية واضحة في إلصاق تهمة مباشرة أو ضمنياً.
الجهات الرسمية في الجانبين لا تكذب، ولكنها أيضاً لا تملك حرية إعلان كل ما تعرف كي لا يؤثر ذلك في ما قد يكون أكثر حساسية في القادم من المستجدات والعلاقات الثنائية.
أما القنوات الإعلامية فلها أجنداتها وصياغاتها المفضلة لتقديم أي حدث. قناة الجزيرة مثلاً على هامش الخبر تستضيف باحثاً سياسياً من لندن هو د.ع. الجبوري لتسأله عن رؤيته، ثم بدس مقصود الأثر تذكره بقضية أسبق: «اختطاف الرئيس الحريري واحتجازه في السعودية سابقا». ولكن الباحث يرد حالاً بتذكيرها أن دس هذا التذكير لا يرتبط بموضوع الحوار الذي استضيف ليتناوله، ولا يرى مهنية في استضافته للمشاركة في حوار مغرض، وأن ما يعلمه أن «تاريخ علاقة الأسرة الحاكمة السعودية وعائلة الحريري، وحاضرها يثبت عمق وإيجابية الوشائج بينهما».
من تجربتي في قراءة تفاصيل أحداث عالمية أسبق تاريخياً أذكر نفسي: في أي قصة لجريمة غامضة يُختلف فيها حول الفاعل يجب أن نبدأ بسؤالين جذريين: من المستفيد مما حدث؟ وهل هناك نمط متكرر ومتهم بريء؟
أؤكد ألا فائدة للمملكة ولا لتركيا مما حدث. لا المملكة يفيدها أن تتهم قنصليتها بالمشاركة بإيذاء مواطنيها في الخارج، ولا تركيا يفيدها أن تتهم بتقصير في حماية زائريها. وكلا الطرفين يكرر توضيح إصراره على استدامة علاقات إيجابية بين عدلاء، بناء على قيم أصلية قوامها احترام الآخر وأنظمة الدبلوماسية الدولية، ثم التعاون معا على ما فيه استقرار وأمن وبناء اقتصاد متكامل للجميع كل في موقعه. لا مساس بالسيادة ولا دعم للإرهاب والحركات العدمية. وبلا شك تداعيات الحدث ستؤثر إقليمياً في الشرق الأوسط، ودولياً لما فيه من مس بالبروتوكولات الدولية.
أما المعمى فعلا فهو الدور الذي تقوم جهات مستترة لتأجيج قضية حول هذا السيناريو العجيب. وهذا يعيدنا إلى السؤال الثاني هل هناك نمط إجرامي يتكرر؟ وفي انتظار أن تكشف التحقيقات عن تفاصيل أخرى تفيد في الاستدلال سأتابع معكم الموضوع السيناريو الهوليودي العجيب في حوارات قادمة.