أ.د.سليمان بن عبد الله أبا الخيل
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد تابع العالم كله، ورصدت كل وسائل الإعلام، وتصدرت أعمدة الصحف المحلية والإقليمية والدولية تلكم المقابلة المهمة التي وفق الله إليها وسدد بها ذلكم البطل الهمام، والحكيم الضرغام، والأريب الهمام، حكيم الشباب وشاب الحكمة، وينبوع الخير ومعدن الوفاء، ولي العهد الأمين، والعضد المكين، صاحب السمو الملكي الأمير الشهم الموفق المسدد الملهم/ محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -أيده الله وحفظه-، تلكم الرائعة من روائعه التي جاءت في وقت والكل يترقب مثل هذا الحديث المهم، والمقابلة الوافية الكافية الشافية في إطار متغيرات وردود أفعال، وحراك مشؤوم من شياطين الإنس والجن، يحركه ويفعله أولئك المتطرفون من تنظيم الحمدين، وإخوانهم من شياطين الإخوان المفلسين، ومن يقف وراءهم ويصطف معهم، لتظهر هذه المقابلة ما حبى الله به وطننا، واختصنا به من هؤلاء القادة الأفذاذ الذين قدموا للعالم أجمع، مملكتنا الفتية، ودولتنا الرشيدة، ووطننا الآمن، وسعوديتنا الواثقة بالله عز وجل، ثم بعزمات الرجال الصادقين، والحكام الميامين، والأوفياء المخلصين، بمعالمها وسياستها ونهجها الذي يعتمد الثوابت، ويتعامل مع المتغيرات برؤى تقود إلى الطموحات التي لا يحدها حد، إنها ثمرة جهود العظماء، الذين استلهموا الدروس والعظات من تاريخ وطننا المجيد، وماضيه التليد، ليخرجوا بوثبات صادقة لحاضر مشرف، ويصنعوا الشرف والسؤدد من خلال منجزات عظمى، وانتصارات كبرى، وأحداث وتحولات تصنع التاريخ، وتؤسس لغد واعد، ومستقبل مشرق، ورؤية طموحة، مهما تكالب الأعداء، وتعالت أصوات المبغضين، وتكالب الشامتون على هذا البلد الأمين، إلا أن الله يقيض لمثل هذه المواقف ولاة أمرنا الأوفياء الأصفياء الذين صدقوا الله فمكَّن لهم، وعلى رأسهم وولي أمرنا وملكنا المفدى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله-، وولي عهده الأمين، والعضد المكين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، الذين لا يألون جهدًا في مواكبة العمل لعزة هذه البلاد المباركة ونصرتها، والدفاع عن حياضها، والوقوف في وجه أعدائها والمتربصين بها، وهذا من توفيق الله جل وعلا لقادة وطننا الغالي، وامتداد لحفظ الله لدينه، ولهذه البقاع المقدسة، التي اصطفاها الله جل وعلا، وجعلها عرصات مناسكه، ومواطن شعائره، وبلد دينه، ومهاجر رسولصلى الله عليه وسلم، وستظل بإذن الله جل وعلا محفوظة بحفظ الله، مؤيدة بنصره، ما دام أن من جعل الله قدرهم ولاية هذا البلد الحرام، والوطن العظيم حماة لدينه، حراسًا لهذه المقدسات، يرفعون لواء العقيدة، ويحمون أقدس البقاع، ويتشرفون بخدمتها والقيام بشأنها، فهذا التمكين عاقبة حميدة للتمسك بشرع الله، والحفاظ على دينه، وخدمة كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، تلكم الثوابت التي جعلها ولاة أمرنا جزءًا لا يتجزأ من سياستهم، وأولوية قصوى في حكمهم وتحاكمهم، فحفظوا دين الله، فكان العز والنصر والتمكين والاستخلاف الذي وعد الله به من طبق شرعه في قوله سبحانه وتعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}، وقوله تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}.
ولعل أبرز المحطات التي تصنع التاريخ، وتستوجب الوقوف عندها لاستخلاص العبر والدروس، وإبراز النهج السديد، والرأي الرشيد، وملامح السياسة السعودية الجديدة، ومواقف العزة والحزم والعزم هذا اللقاء المبارك الفريد الممتد من هذه الوكالة العالمية «بولميبرغ» مع سموه الكريم -أيده الله-، حيث كان اللقاء به كعادته -سدده الله- شفافًا ومباشرًا ومقنعًا، يأسر كل من تابعه واستمع إليه، ويقرأ فيه الراصد والمتأمل والمتابع ثمار السياسة التي انتهجها ولاة أمرنا، والرؤية الرشيدة وبرامجها التي بدأ الوطن يجني ثمارها خيرات وفيرة، واقتصادًا عظيمًا، ومستقبلاً واعدًا بإذن الله، كما أنه بحديثه وإجاباته المفعمة بالثقة والمصداقية قد ردّ على المرجفين والمزايدين والمشككين، والأعداء الظاهرين والمستخفين، الذين لا يخفون على كل متابع للشأن السعودي الجدير بالمتابعة والاهتمام. ومن خلال هذه المقابلة الفريدة التي اهتمت بها وكالات الأنباء العالمية، وخصصت لها تغطيات واسعة لبيان مضامينها، وقراءة ما بين السطور مما يكشف الكثير من الملابسات، ويوجه العديد من الرسائل المهمة في ميادين متعددة، وأحداث متفرقة، ويجيب على التساؤلات المطروحة، ويكشف الحقائق والدقائق، ولا عجب في ذلك ولا غرو، فسمو ولي عهدنا الفذ، وأميرنا الشهم الوفي أثبت منذ نعومة أظفاره نبوغًا وعبقرية نادرة، وذكاءً مفرطًا، وقدرات واسعة، ومكنات استثنائية، وعقلاً راجحًا، واستعدادًا غريزيًا فطريًا لتحمل هذه المهمات التي لا يحملها إلا أولو الهمم العالية، تنامت وغذيت من خلال مدرسة علمية وعملية، وعناية ورعاية تلقاها من والده العظيم، ملك الحزم، والوفاء والتاريخ، صاحب البصيرة النافذة، والرؤية الثاقبة، والسياسة الحكيمة والمعرفة المكينة ولي أمرنا، وحامي وحدتنا، وحامل لواء سؤددنا الملك المفدى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله وأعزه- فنشأ ولي عهدنا المبارك في هذه المدرسة التي تورث المكرمات، وتصقل المواهب والقدرات، وتنمي الملكات، وتؤسس لتحمل المسؤوليات، والتي تعد امتدادًا لمدرسة المؤسس العظيم، والموحد الباني الملك الصالح المجاهد البطل الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه وجعل الجنة مأواه- الذي يذكرنا ولي عهدنا المبارك به وبسمته وهمته وشجاعته وحكمته وقوته في الحق، بل وحتى في ملامحه وصفاته، فقد أشبهه خلقًا وخُلُقًا، وأورثه المؤسس من السمات والخلاما نستشرف به أمل الغد، ومستقبل هذا الوطن العظيم، الذي لم تستثمر من إمكاناته إلا القليل، ليعين ملكنا المفدى، ويشد من أزره، ويقف معه وقفات الصدق والإخلاص، ويحقق طموحاته وآماله، ويتحقق بهمة الحزم والعزم السعودية العظمى التي تجسدت واقعًا، حيث نراها في المحيط الإقليمي والدولي، ويقيضه الله ليكف عن هذه البلاد بحكمته وحنكته عبث العابثين، وطمع الطامعين في هذا البلد الأمين.
إن ما أظهره سموه الكريم في هذا اللقاء المثمر، من عزة واعتزاز، وأنفة وسؤدد، وحكمة وتعقل كانت مثار إعجاب العالم أجمع، فجاءت التصريحات والإجابات ببيان غير قابل للشك عن تمسك هذه القيادة المباركة بالثوابت التي قامت عليها هذه البلاد، والأصول التي بنيت عليها، منذ تأسيسها على يد الموحد الباني المؤسس العظيم الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله, وجعل الجنة مأواه-, وحتى هذا العهد الميمون المبارك, والعصر المبارك عصر سلمان الحزم والحكمة، سلمان الوفاء والمكرمات، رجل التاريخ وقائد التحولات الكبرى التي جنب الله بها وطننا العزيز من فتن عظيمة، فكانت قيادته وفترة حكمه الممتدة -بإذن الله - امتدادًا للدور العظيم الذي قامت به هذه الأسرة الماجدة، وانطلاقًا من الإخلاص للدين والوطن.
فهذه البلاد ارتكزت على أساس الدين، ومقاصده، وقامت على حماية جناب العقيدة، والدفاع عن الإسلام الوسطي المعتدل، تنشد بذلك شرف خدمة هذا الدين، وتدرك به سرّاً من أسرار العز والتمكين الذي أيدهم الله به, وهذه الثوابت تعد من الرواسي والمرتكزات التي قام عليها هذا الكيان العظيم المملكة العربية السعودية, ويعززها ويقويها اعتمادها دستورًا للبلاد وأساسًا للحكم, في النظام الأساسي صريحًا ومتضمنًا.
إن التأكيد على أن هذه البلاد المباركة قامت بفضل الله وحده، ثم على سواعد أبنائها الذين بذلوا الغالي والنفيس وقدموا التضحيات، وضحوا بالأنفس الغاليات لتنعم هذه البلاد -بحمد الله- بعقيدتها الصافية النقية التي تتميز به، وبأمنها الذي تفاخر به العالم، وبتقدمها الذي تباهي به الأمم، وأن هذا الأمن لا يقبل المساومة ولا المناقشة، فهو خط أحمر، ومسألة وجودية لا يمكن التنازل فيها ولا المحيد عنها، وهذا الاستقرار لا يقف على حماية دولة أخرى، ولا على الانصياع لتهديدات أي قوة أو جهة، فالمملكة العربية السعودية دولة قوية بإيمانها ومبادئها، وقبل ذلك بعقيدتها وتمسكها بشرع الله قولاً وفعلاً، حكمًا وتحكيمًا وتحاكمًا، فصدقت ما عاهدت الله عليه، وصدقها الله وعده بهذا الأمن الوارف، والعيش الرغيد، فالحمد لله على فضله، وهذا ما أكده -حفظه الله- في رده على تصريح رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قال: «السعودية كانت موجودة قبل الولايات المتحدة الأمريكية؛ إنها موجودة قبل أكثر من 30 عامًا من وجود الولايات المتحدة الأمريكية، وإدارة أوباما عملت على مدى ثماني سنوات ضد أجندتنا في المملكة والمنطقة، وكنا قادرين على حماية مصالحنا، وقد نجحنا، ولن ندفع شيئًا مقابل أمننا، وجميع الأسلحة التي حصلنا عليها من أمريكا قد دفعنا قيمتها، إنها ليست أسلحة مجانية... قمنا بشراء كل شيء بالمال، وكانت إستراتيجية التسلّح لدينا تتجه إلى دول أخرى، وبعد وصول ترامب للرئاسة جعلنا أكثر من 60% منها مع أمريكا، مما أوجد فرصًا وظيفية واستثمارات في البلدين، وقد تضمنت الاتفاقيات تصنيع جزء من هذه الأسلحة في السعودية». وتحدث -سدّده الله- عن العلاقات الأمريكية السعودية فقال: «إذا نظرت إلى الصورة بشكل عام سيكون لديك 99% من الأمور الجيدة ومسألة سيئة واحدة فقط». إنه الجواب الشافي، والرد الكافي لمن أراد الحق وبيان الواقع، إنه العزة في أجلى معانيها، والسيادة في أسمى صورها، والقوة في ذروة تمامها، قوة في الحق، وقوة في البيان، وبيان لمكامن القوة، لم يأتِ هذا الرد من مصدر مسؤول، ولم يأتِ في بيان لوزارة الخارجية، بل جاء من رجل هابته معظم الدول، وحسبت لكلامه وأفعاله ألف حساب، فهو إذا قال أسمع، وإذا هدد أوجع، وإذا أجاب أقنع، وإذا رام هدفًا التفت إليه العالم أجمع، إنه ردٌ يبين الفرق بين كلام الواثق بربه أولاً، ثم بشعبه وقدراتهم ثانيًا، وبين من هوي ضلال مبين، وفي أحضان جماعات وتنظيمات الإرهاب متقلبين، ولكل فساد وإفساد داعمين ومؤيدين، فنحن في وطن العزة والشموخ والمنعة لم نتعود من قادته ركوعًا لأحد، أو سكوتًا عمن يريد إهانتنا أو هضم حقنا، أو يتدخل في شؤوننا، ومن هذا الجواب المسدد الموفق يعرف الحاقدون والمبغضون والشامتون معنى السيادة والقيادة، «لا يمكننا أن نخاطر بأمننا القومي لصالح علاقاتنا مع دول أخرى. ونأمل بأن يتفهموا ذلك»، وفي هذا دليل لا يقبل النقض، وحجة قاطعة على رسوخ القواعد، وأصالة البناء، وديمومة أمن هذه البلاد وعزها بإذن الله وتوفيقه، ولقد وضح سموه - حفظه الله - الأسس التي تسير عليها هذه البلاد في رعاية مصالحها، وبناء شراكاتها وتحالفاتها بما يضمن أن يتقيد كل طرف بمبادئ الشراكة، ويلتزم باللباقة والأعراف الدولية في العلاقات بين الدول، وشرح ما يقبل وما لا يقبل برؤية أصيلة حملت كل معاني الحكمة والعقلانية، ورسمت كل حدود العزة والحزم، وتجنبت الخلط والتعميم فجعلت لكل مقام مقالاً يناسبه، ولكل موقف ردًا يوازيه ويقابله، وكما قال الشاعر:
وَوَضْعُ النّدى في موْضعِ السّيفِ بالعلى
مضرٌّ، كوضْع السيفِ في موضع النّدى
إن الرد الحازم الذي قطعت به المملكة العربية السعودية الطريق على ما بدر من بعض الدول من تجاوز للأعراف الدبلوماسية، وألجمت به بعض النداءات المتطاولة، والشعارات المعادية كان تطبيقًا عمليًا لما قاله سمو ولي العهد -أيده الله-، فلن تقبل المملكة العربية السعودية أن يملى عليها من أي طرف ما يخل بسيادتها، ولن تتنازل مع أي جهة تتجاوز حدود المقبول، وتتخطى الأدب والمتعارف بتسيس ملفات حقوق الإنسان المزعومة، وإخفاء الأجندات وراء شعارات براقة وعناوين مخادعة، وأمعنت في ذلك حتى أتتها يد فراسة قطعت تلك المحاولات، وألجمت من وراءها. إن هذه الزوايا التي لا يدركها إلا خبراء السياسة، وساسة الخبراء هي الفهم الدقيق، والنظرة الحكيمة المتوازنة التي تعطي كل ذي حق حقه، وتراعي التوازنات التي تحفظ مكامن القوى، ومعالم الحنكة والكياسة، وهي في الوقت ذاته المنطقة التي استغلها أصحاب الأجندات والولاءات، وحاولوا من خلالها أن ينفذوا إلى مآربهم بتجييش العواطف، والتلاعب بالمصطلحات، وخلط الأوراق، فكان هذا الجواب الملجم الذي وفق الله إليه ولي عهدنا المسدد.
وإذا كان سمو ولي العهد قد أجاد وأفاد في تناول القضايا الخارجية والسياسة دولية، فإن من دلالات حديثه المعبر، ولقائه الموفق ما يرتبط بالشأن الداخلي، فلقد كان حديثه كافيًا شافيًا في قضايا الوطن والمواطن، وملفات الاقتصاد والتمنية، فقد بيَّن سموه حيثيات صدور الأوامر الملكية الكريمة التي استبشر بها أبناء الوطن، ومثلت نقلة نوعية في سرعة استجابة اقتصاد المملكة العربية السعودية للتحديات وتقلبات الأسواق، وتلك الإجراءات التي هي عين الحكمة والعقل، وأثمرتها تلك الرؤية المباركة السديدة التي تعتمد المنهجية الدقيقة، والتوازن المطلوب لمواجهة الأزمات، وتستدعي مواطن القوة وفرص النجاحات، ومكامن الإبداع، وعوامل التأثير في التغيير الإيجابي الذي يخفف الاعتماد على مصدر واحد، ويجعل المسيرة الاقتصادية تتكيف مع الواقع الإقليمي والدولي، وتجابه المخاطر والمهددات. ومن هنا فإن رؤية المملكة 2030م، وبرنامج التحول الوطني 2020م هما صمام الأمان بعد حفظ الله وتوفيقه وتسديده، تلكم الرؤية التي تعد جهدًا استثنائيًا، ونظرة صائبة، وقدرة نوعية لتمكين هذه البلاد من تحقيق النقلة التي ينشدها الجميع، فكان سموه الكريم بما يحمله من صفات قيادية، وعمل دؤوب، وعطاء متدفق هو المحرك الأول والداعم الرئيس فيما تشهده بلادنا - ولله الحمد - من عمليات التطوير والتحديث التي انطلقت من هذه الرؤية وبرامجها، وما حققته من نجاحات محلية وإقليمية ودولية، وما واجهته من تحديات، ومواقفه - أيده الله - في هذا العام لتسجل بمداد من ذهب، وتجعل هذه المنجزات جزءًا من تاريخ عظيم يصنع بأيدي العظماء، وتحولاً نوعيًا فاق كل التوقعات، وشهد العالم أجمع بأن أميرنا المبارك هو رجل المرحلة، وأن مواهبه القيادية، وقدراته الاستثنائية وسماته الشخصية، وثقافته الواسعة التي استقاها من مصادر متعددة كانت وراء هذه المنجزات العظيمة، التي يأتي في مقدمتها القدرة على تحقيق هذه المنجزات في فترة قياسية تعد إعجازًا في مقياس الزمن، وكل ذلك بتوفيق الله، سواء على المستوى الدولي كما مرّ، أو على المستوى الداخلي في مساراته المختلفة في التعليم والتقنية والتطور، والتحول الإيجابي الذي عالج كثيرًا من السلبيات، ويكفي للتدليل على ذلك ما تحقق في الشأن الاقتصادي، فنحن نفاخر بأننا قوة اقتصادية عظمي، ومحرك فاعل لا يمكن لأي دولة مهما بلغت أن تتجاوزه، وتمر عواصف الأزمات التي غيّرت الواقع ادولي، وبقي وطننا محاطًا بعناية الله وحفظه ثم بهذه السياسة الحكيمة التي صنعتها العقول المبدعة لوطن يستحق ذلك وأكثر.
ومن تلك الدلالات: التصدي لكل مهددات الأمن الوطني والإقليمي بل والدولي، وعلى رأسها المخططات الإيرانية في المنطقة، وأدواتها من التنظيمات المتطرفة، والأحزاب والجماعات الإرهابية التي تظهر الشعارات الزائفة، وتستبطن المكر والخديعة والنفاق للوصول إلى مآربها، فبحمد الله جل وعلا ثم بحزم وحنكة ولاة أمرنا - أيدهم الله - وقفت المملكة العربية السعودية مواقف تاريخية حازمة، كانت رسالةً قوية، وبيانًا صريحًا وواضحًا، وضع النقاط على الحروف والدواء على الداء لعلاج الأخطار والمهددات والقضاء عليها واجتثاثها من جذورها، واقتلاع نبتتها ولا سيما الوقوف الشجاع في وجه المخططات الصفوية الفارسية، وفروعها وأحزابها وأدواتها، مع رسم خارطة عالمية ذات رؤية ورسالة وهدف غاية في الأهمية أوقفت هذا التمدد الطائفي في بلاد العروبة والإسلام، وقطعت يده الخبيثة عن أن تطال حدود هذه البلاد، ودعمت أشقاءها في اليمن وغيرها للتصدي لتلك المخططات والوقوف في وجه أجنداتها وعملياتها المشبوهة في المنطقة، وقد نجحت بلادنا - ولله الحمد - في حشد الدعم الدولي والإقليمي للتصدي لهذا الخطر وقطع دابره، وإبطال نهجه ودستوره، وهذا ما أكّده سمو الكريم في مقابلته، فقد بيَّن السياسة الواضحة في هذا الملف، والتي تعتمد على التصدي لهذا النفس الخبيث في اليمن، ومحاربة أعماله، حيث قال: «نأمل في أن ينتهي الوضع في اليمن في أقرب وقت ممكن، لا نريد أن يكون لدينا حزب الله جديد في شبه الجزيرة العربية. هذا خط أحمر ليس بالنسبة للسعودية فحسب، وإنما للعالم أجمع»، فسموه وضع يده على مكمن الخطر، وتصدى له بهذا الفكر السياسي النير الذي طرحه، وتلك الأفعال التي أشاد بها القاصي والداني، وهو ما نحتاجه في هذه المرحلة، لنتمكن من التعاطي مع الحالة الإيرانية المتأزمة، وما يدور في فلكها من تنظيم الحمدين وغيره، ونحمد الله - عز وجل - أن هيأ لهذه البلاد الطاهرة رجلاً بقامة الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - الذي حقق طموحات وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين على الصعيدين الداخلي والخارجي.
ومن تلك الدلالات: إبراز مكانة المملكة العربية السعودية وقدراتها العسكرية والاقتصادية والسياسية، ومنزلتها التي تبوأتها بين دول العالم، وهي مكانة مستحقة دون شك بالنظر إلى حجم المنجزات، وقوة التأثير الذي أضفى على مكانة المملكة المزيد من القوة، وحقق لها العديد من المكتسبات، فتبدت قوة الدبلوماسية، وحنكة العمل السياسي الجاد، وسطوة الحضور على المستوى الدولي، وظهر ذلك جليًا في جمع قادة أكثر من خمس وخمسين دولة يربو عدد سكانها على المليار ونصف المليار، وعقد شراكة بينها في محاربة داء عضال، لطالما أرق العالم أجمع وهدد الأمن ولم يسلم من شره أحد، فكانت القيادة للمملكة في دحره، وحازت قصب السبق في مواجهته وكسر شوكته بهذه الرؤية الثاقبة من سمو ولي العهد الأمين، وهذا يدل دلالة قاطعة على ما يحظى به سموه من احترام كبير من قادة الدول الإسلامية والعالمية.
ويمكن قراءة ملامح المشروع الوطني الكبير الذي يقوده سمو ولي العهد من نواحٍ عدة، فهناك العناية الكبيرة بالأسس التي قامت عليها هذه البلاد، والمحافظة على هويتها الإسلامية، ومنهجها الوسطي المعتدل الذي ينبذ التطرف والإرهاب، ويتصدى لقوى التكفير والتفجير، ومحاولات اختطاف الإسلام وتشويه صورته، وحماية الثوابت، ومحاربة الفساد والإفساد، والإرهاب وتنظيماته وجماعاته، واستهداف هذا الخطر بالمعالجات والمواجهات المختلفة التي استشعر سموه الواجب حيالها، وانتهج منهجًا يقوم على الحزم والعزم، وفرض التحول الوسطي الذي يمثل النهج الذي درجنا عليه، وتعارف عليه الأسلاف، ولكنه شُوِّه وأُفسد بشكل ممنهج متعمد بخطاب الصحوة المؤدلج الذي غذى مشاعر الكراهية والحزبية والإقصاء والتمييز، لينتج عنه أعظم خطر يواجه المجتمعات؛ ألا وهو الخطر المتمثل في الإرهاب والعدوان، والفساد والإفساد، ويضاف إليه الجمود والانغلاق والإقصاء الذي ينتج عن تبني مواقف ورؤى تجاوزها الزمن.
ومن هنا أبان أميرنا المبارك ما نحتاجه للمرحلة القادمة من معالم نتجاوز بها هذه المعوقات، فمثل هذه الرؤى التي تنظر للمستقبل البعيد برؤية الخبير الذي يعتمد مواطن القوة، ومكامن التميز، ويتجاوز نقاط الضعف لا شك أنه يحقق هذا الهدف السامي، ويسير به الحاكم على خطى السلف الصالح -رحمهم الله، ولا سيما أن من أهم المقاصد الشرعية علو الدولة ونماؤها، وتبوؤها ثقلاً محليًا وعالميًا يليق بها، ويحقق الغناء عن الأمم الأخرى، وذلك مقصد ذكره العلماء -رحمهم الله، لأن استغناء الأمة الإسلامية ودولها عن الأمم الأخرى على النحو الذي لا يترك للأمم الأخرى سبيلاً للهيمنة والنفوذ على بلاد المسلمين ومقدراتهم واجب شرعي ولا ريب، ولتحقيق ذلك الهدف فلا بد من الاعتماد على العلوم الحديثة في التخطيط والتطوير ورسم الرؤى التي باتت الحاجة إليها ماسة في واقع الأمم اليوم، وبهذا يتضح أن التخطيط والتطوير من وسائل السياسة الشرعية المنوطة بولاة أمور المسلمين، وفيها من المصالح المرسلة التي تندرج تحت قواعد جلب المصالح ودرء المفاسد أو رفعها، وهي أمور تراعى في جميع أبواب الفقه والسياسة، وتستند إلى هذه القواعد المهمة التي لابد من مراعاتها.
يقول القرافي -رحمه الله-: «واعلم أن التوسعة على الحكام في الأحكام السياسية ليس مخالفًا للشرع, بل تشهد له الأدلة المتقدمة, وتشهد له أيضًا القواعد الشرعية من وجوه، أحدها: أن الفساد قد كثر وانتشر بخلاف العصر الأول, ومقتضى ذلك اختلاف الأحكام بحيث لا تخرج عن الشرع بالكلية لقوله (لا ضرر ولا ضرار)».
ويقول ابن القيم -رحمه الله: «ومن له ذوق في الشريعة، واطلاع على كمالاتها، وتضمنها لغاية مصالح العباد في المعاش والمعاد ومجيئها بغاية العدل الذي يسع الخلائق، وأنه لا عدل فوق عدلها، ولا مصلحة فوق ما تضمنته من المصالح، تبين له أن السياسة العادلة جزء من أجزائها وفرع من فروعها، وأن من له معرفة بمقاصدها ووضعها، وحسن فهمه فيها؛ لم يحتج معها إلى سياسة غيرها البتة، فإن السياسة نوعان: سياسة ظالمة فالشريعة تحرمها، وسياسة عادلة تخرج الحق من الظالم الفاجر، فهي من الشرعية، علمها من علمها وجهلها من جهلها».
وهذا التأصيل الذي يعتمد مصادر الشريعة ومواردها يحتم القناعة بمشروعية ما يقوم به ولي الأمر من السياسة الحكيمة تأسيسًا وتطويرًا ما يوجب الوقوف خلفهم، ودعوة الناس للتوحد ونبذ الفرقة، وعدم التشغيب على هذه القرارات التي تهدف إلى صالح البلاد والعباد.
ومن تلك الدلالات وهي كثيرة كبيرة عظيمة بعظم همة هذا البطل الشامخ: تلك الهمة الطموحة، والشخصية الواثقة بالله ثم بمواهبها وإمكاناتها وشعبها الوفي الذي يضع كل ثقته وآماله وطموحاته في قيادته، حيث أكد -أيده الله- أنه: «لا يهمني كيف ينظر العالم إليَّ بقدر ما يهمني ما يصبُّ في مصلحة البلاد والشعب السعودي. وأي أمرٍ يخدم الشعب السعودي والسعودية كدولة سأفعله بكل قوة، بغض النظر عن الانطباعات التي سيخلقها عني»، في ثقة المؤمن بربه، والحريص على مصلحة وطنه وأمته، الخبير بشؤون السياسة وما يدور فيها على الأصعدة كافة، الإقليمية والمحلية والدولية، وهو يرسل من خلال ذلك رسالة للمواطن أن يحمي سمعه وبصره من التشغيبات والترهات والأباطيل التي تنطلق من هنا وهناك، وعليه أن يثق بالله وبحفظه لهذه البلاد، ثم بما يراه ويشاهده ويعاينه من هذه الجهود لقيادة جعل الله قدرها ومسؤوليتها ما هي أهل له، وصدقت الأقوال بالأفعال، وجعلت محك الإنجاز لغة الأرقام والإحصاءات. فهل يدرك الجميع عظم النعمة بهذه القيادة وهذه الرؤية الحكيمة؟
وبعد: فيحق لنا أن نفخر بأمير الشباب، وعرّاب السياسة، وسليل الأسرة الماجدة، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك في جهود خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- وأن يزيدهما عزًّا وتمكينًا، ومن حقهما علينا الوقوف صفًا واحدًا تحقيقًا لتطلعاتهما، والذود عن حمى هذا الوطن المبارك ضد كل من يحاول زعزعة أمنه واستقراره. ونسأل الله جل وعلا أن يحفظ على بلادنا أمنها وإيمانها وولاة أمرها، وأن يجعل ما قدموه ويقدمونه في موازين حسناتهم، إنه سميع مجيب.