د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
نطلق على حالة البقاء بلا عمل البِطالة بكسر الباء اشتقاقاً من المصدر الثلاثي «بَطلَ»، ونطلق على يوم إجازة الأسبوعية «عطلة»! وفي بعض أنحاء عالمنا العربي يطلق على يوم العطلة، «يوم الِبطالة» أي يوم البقاء بلا عمل. ونصف في المقابل الشخص القادر على العمل ولا يعمل، أو من يبحث عن عمل ولا يجده وصف «عاطل» وليس «باطل» أو «بطل». ولذا فيجدر بنا ربما التفريق بين «العاطل» وهو من يبحث عن عمل ولا يجده، و«الباطل» الذي يجد العمل ولا يعمل. فالعاطل يختلف عن الباطل، والبِطالة تختلف عن العِطالة.
ومن مؤشرات الضعف الاقتصادي ارتفاع نسبة العطالة، من مؤشرات الترهل الاجتماعي تفشي «البطالة». وفي الاقتصاد الضخم القوي الذي به نسبة كبيرة من الوافدين يكون سبب العطالة خللاً في التنظيم الاقتصادي وفي السياسات العمالية وليس الضعف الاقتصادي. ويعزو اقتصاديون محليون تراكم العطالة في اقتصاد كالاقتصاد السعودي عبر عقود من الزمن لخلل تراكمي في تنظيم سوق العمل وليس للضعف الاقتصادي. فهناك أكثر من وافد عامل مقابل كل مواطن عاطل.
وقد خطت المملكة في عهد الملك سلمان -حفظه الله- خطوات كبيرة ومهمة في إعادة تنظيم الاقتصاد السعودي وفي معالجة معضلة العطالة الواضح منها والمقنع الذي يعني التوظيف لعاطلين بلا عمل لمجرد التوظيف والإعالة فيما يسمى «بالعطالة المقنعة».
وفي آخر مقابلة مع «بلومبيرج»، صرح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ربان سفينة الاقتصاد الحديث السعودية، بأن مكافحة العطالة، وتوليد وظائف للشباب والشابات السعوديين تعد أولوية لخطط إصلاح الاقتصاد. واتخذت وزارة العمل خطوات عملية بتوطين عدد كبير من المهن وحصرها في السعوديين فقط. كما أن هناك خطوات أخرى كفرض الرسوم وغيرها اتخذت لتشجيع الوافدين بالعودة طوعًا لبلادهم. لكن من جرب أمن ورخاء هذا البلد الكريم لا يرضى بغيره بديلاً ويخطط ألا يعود. وكثير من الوافدين ينظمون حياتهم على البقاء في المملكة هم وأبناؤهم مهما كانت الظروف، وكثير منهم ظروف بلاده تدفعه للإحجام عن العودة لها، والمملكة كقبلة للعرب والمسلمين تقدر ذلك.
مستقبل الوظائف بعد الإصلاحات الاقتصادية لا شك واعد ويبشر بالخير. فهناك مشاريع ضخمة ستخلق وظائف جديدة. ولكن لا بد أن تكون البلاد جاهزة لذلك بمعالجة الأدواء التي أدت لتفشي العطالة الحالية أساسًا، مثل: التستر، القوانين التي تتيح الفصل السهل للسعودي من عمله، الرواتب المتدنية في بعض الأنشطة التي تدر أرباحاً كبيرة، الشروط التعجيزية التي تفرض على السعودي ويستثنى الوافد منها كالمؤهل العالي والخبرة الطويلة في ممارسة العمل، غياب اشتراطات نسب مجزية من توطين الوظائف على المستثمر الأجنبي. وأخيراً وليس آخراً إزالة العراقيل كافة التي تفرضها بعض الجهات عن غير قصد ربما على الشباب السعودي الراغب في بدء نشاط خاص في مجال تخصصه كاشتراط خبرة سنوات معينة من العمل مع تعذر وجود فرص عمل حقيقية لهم لاكتساب هذه الخبرة، مما يضطرهم لاتباع أساليب التفاف هي في حد ذاتها غير صحية لبدء العمل.
أما العائق الأخير والأصعب والأهم وهو الذي تراكم عبر السنين وللأسف، غياب الروح الوطنية لدى بعض رجال الأعمال، وتدني ثقافتهم، وتحول تسهيلات الاستقدام التي قدمت لهم في السابق إلى إدمان على العمالة الوافدة حتى ولو كانت أقل من الخبرات الوطنية وأكثر خطراً. فتراكم أعداد العمالة الوافدة غير ثقافة أصحاب العمل ولم تتغير معه، فالعمالة الوافدة الضخمة التي دخلت المملكة أثرت في تشكيل سوق العمل وممارساته وفي ثقافة رجال الأعمال عبر السنين. وأدخلت ممارسات وعادات غيرت تدريجيًا في نظرة بعض أصحاب العمل لوطنهم وأبناء وطنهم، فحلت الانتهازية وتعظيم الأرباح محل الروح الوطنية. وأصبح بعض رجال الأعمال لا يفرق بين الاستثمار في وطنه وأي بلد آخر، ويركز فقط على عامل تعظيم الربح متجاهلاً أن مهمة الاقتصادات الرئيسة بناء الأوطان، وأن الوطن هو بيت الجميع الكبير وكل ما عم الرخاء والسلام والطمأنينة فيه استفاد هو في المحصلة النهائية. ولكن البعض يدرك ذلك للأسف متأخرًا في سنين عمره الأخيرة. ما نحتاج إليه باختصار ثقافة وطنية لبعض رجال الأعمال وليس الشباب، فبعضهم تهيأت لهم سبل أعمال سهلة فيما سبق، ولذا هم يفتقدون لفهم الخطر الاجتماعي للعطالة. اتهمنا الشاب السعودي البريء بالكسل، فحان الوقت بعد الإصلاحات أن نوجه بعض ذلك لبعض رجال الأعمال.