د. جاسر الحربش
مصطلح القلس هو المفردة الطبية العربية لحرقان المريء لكنها معطلة عن الاستعمال. أكثر المراجعات في عيادات الجهاز الهضمي سببها الشعور برجوع عصارة كاوية شديدة الحموضة من المعدة إلى المريء قد تصل إلى البلعوم. أصبح الاسم الأكثر شيوعاً «الحرقان»، ويسمى في بادية نجد القداد بتشديد الداء الأولى، وأصبحت التسمية الأكثر شعبية الارتجاع.
الارتجاع بحد ذاته ليس مرضاً بل عارضاً لعدة احتمالات قد يكون بعضها ليس مرضياً. السبب في الارتجاع هو اضطراب عمل العضلة المتحكمة في فتح وقفل المريء عند اتصاله بالمعدة، وليس بالضرورة وجود فتاق في عضلة الحجاب الحاجز أو ارتخائها، ولو أن ذلك يشكل عاملاً مساعداً إضافياً للارتجاع. ليس كل من لديه فتاق أو ارتخاء حجابي سوف يعاني حتماً من الارتجاع، وليس كل من لديه عضلة حجابية محكمة سوف يكون بمنجى من الارتجاع الحمضي ومشاكله.
بالممارسة يجمع كل طبيب متخصص في الجهاز الهضمي خبرته الخاصة عن انتشار الارتجاع في المجتمع الذي يعمل فيه وأسبابه. أسباب الارتجاع في مجتمع لا يعرف الشبع المتكرر كل يوم تختلف عنها في المجتمع الأكول، وفي المجتمعات التي تستعمل الأقدام أو الدراجات تختلف عن تلك التي تتحرك بالسيارات، وهذه مجرد أمثلة على اختلاف الأسباب والانتشار. المهم هنا هو الانتشار في المجتمع السعودي وأسبابه. بالمجمل نستطيع ترتيب الأسباب حسب خبرتي الشخصية كالتالي:
السبب الأول : الشبع، أي الأكل الفائض عن قدرة الجهاز الهضمي وحاجة الجسم، ويزداد الأمر سوءاً عند النوم بمعدة ممتلئة سواءً نومة القيلولة أو بعد عشاء ثقيل. عندما ينام الجسد تنام معه المعدة ويقل تحريكها للطعام بداخلها وترتخي عضلة المريء.
السبب الثاني : الإكثار من الأطعمة خارج المنزل وخصوصاً الوجبات السريعة، حيث تكون نسبة الدهون مرتفعة ومن مشتقات زيوت غير صحية، وكذلك البهارات والمنكهات المركزة لتغطية العيوب الصحية في المواد الغذائية الأساسية.
السبب الثالث : التدخين والقهوة والمشروبات الغازية والسكريات والحلويات على وجه العموم، فالإكثار منها يؤدي إلى زيادة في العصارة الحمضية وارتخاء في العضلة القابضة بين المريء والمعدة، أي أنها تضيف عاملين مهمين من أسباب الارتجاع في وقت واحد. الصلصات والمخللات ينطبق عليها نفس التأثير.
السبب الرابع : القلق بأنواعه الشخصي والاجتماعي والوظيفي. المثال على ذلك أن يبدأ الإنسان رحلته الصباحية في السيارة إلى العمل دون إحساس بالحرقان، ليبدأ الإحساس به وسط المرور المزدحم وفوضى القيادة. أعتقد أن هذه تجربة يمر بها الكثيرون الذين يعملون في موقع يبعد عن المنزل أكثر من نصف ساعة. من يكسب رزقه من عمل لا يحبه ولا يرتاح فيه سوف يحس حتماً كذلك بالحرقان.
السبب الخامس : وجود ارتخاء عضوي حقيقي في العضلة ما بين المريء والمعدة أو فتاق في الحجاب الحاجز. أوضح ما تكون الأعراض في هذه الحالات عندما يكون الشخص بديناً وكسولاً قليل الحركة أو أثناء الحمل وارتفاع الجنين بعد الشهر السابع.
السبب السادس : الإصابات الميكروبية في المعدة والأمعاء أو بحصوات المرارة واحتمالات عضوية أخرى لا داعي للتفصيل فيها لأنها تعبر عن نفسها بأعراض مختلفة قد يكون الارتجاع واحداً منها فقط وليس الأهم.
(انتهى السرد السببي والترتيب)
هذه القائمة لا تمثل بالضرورة المرصود في كتب الطب أو رأي كل طبيب وإنما تمثل رصدي الشخصي حسب خبرتي الخاصة. بمراجعة الأسباب أعلاه نلاحظ أن الأربعة الأولى منها والأكثر انتشاراً لا تشكل أسباباً عضوية، وإنما أسباباً شخصية لا ينجح الطب في القضاء عليها وعلى المعاني نفسه التعامل معها وتصحيحها بدون أدوية قدر الإمكان. انتشار وصفات مضادات الحموضة وأدوية القرحة الهضمية في كل بيت تقريباً وفي جيب كل مواطن سببه إما تساهل الطبيب أو الصيدلي لمحاولة تخفيف الارتجاع دون معرفة الأسباب.
الأسباب المذكورة في الترتيب الخامس والسادس فقط هي ما تحتاج إلى استشارة طبيب وعندئذ يكون لكل حادث حديث.