عبد الله باخشوين
بعد عدة شهور من تأسيس (مجلس التعاون لدول الخليج العربية) في مايو عام 1981، رشحني وزير الإعلام السعودي الدكتور محمد عبده يماني -رحمه الله- لمعالي الأمين العام للمجلس الأستاذ عبدالله يعقوب بشارة للعمل في إدارة (الشؤون الثقافية) في مرحلة التأسيس تلك وطموحاتها ومخاضاتها التي تحتاج الكثير من العمل.
وخلال عدة اجتماعات ولقاءات بالأمين العام كان عادة ما يبدأ الحديث حول ضرورة قيام (المجلس) بدور إيجابي يحفز على إزالة (الاحتقان) الذي نشأ بين شعوب المنطقة نتيجة لمنافسات (كرة القدم) التي لعبت دوراً سلبياً منذ إنشاء (دورة كأس الخليج العربي) عام 1970 وحتى تلك اللحظة.
ويتم التأكيد على ضرورة إخراج أبناء الخليج من حالة التعصب والاحتقان من خلال إيجاد تجمعات ولقاءات ونشاطات مشتركة تحمل طابعاً (لا تنافسياً).
وكان يعول على أن تقوم (الثقافة) بأنشطتها الفنية والإبداعية والفكرية بدور حيوي.. يجمع أبناء الخليج حول الهموم والأحلام (المشتركة) التي تقوي روابط المحبة والأخوة بعيداً عما إفرازات (الرياضة) بكل أنواعها.
استمر عملي في (الأمانة) نحو ست شهور.. قبل أن أستسلم لإغراء الدكتور فهد العرابي الحارثي وأتفرغ للعمل في مجلة (اليمامة).. أما (كل) المقترحات التي قدمتها.. أو (بعضها) فلم ينفذ إلا بعد نحو عامين..
بعد العرض على الوزراء ذوي الاختصاص وإقراره ووضع جدولة زمنية لتنفيذه.. قبل أن يتوقف نهائياً ولم نعد نسمع عن قيام أنشطة خليجية (لا تنافسية).. غير أن الرؤية العامة لأوضاع المنطقة منذ انقلاب حمد بن خليفة عام 1996 تحتم علينا إعادة قراءة ما وصلت إليه قطر في ضوء ما أفرزته منافسات (دورة كأس الخليج) من تعصب واحتقان.. وليس غريباً أن تقوم (قطر) في سعيها للدخول من بوابات (العالم) الواسعة ومحاولة إثبات وجودها على (خارطته).. للجوء إلى (كرة القدم)..وتفاجئ العالم بترشحها لتنظيم مباريات (كأس العالم) مستقلة دون شريك ونجاحها في دفع الرشا لساركوزي وبلاتر وغيرهما، والفوز بالترشيح.. وليس غريباً إنشاؤها شبكة احتكار (البث التلفزيوني) والاستثمار في أندية كرة القدم بمبالغ خيالية.. وإنشاء بطولة دولية لـ(كرة المضرب).. ليس كل هذا نتيجة توجه (حضاري) بقدر ما هو سعي لاكتساب شرعية (دولية) بعد أن قرأ (خبراؤها غير القطريين) أهمية (الاحتقان) والتعصب والانفلات والعداوة والفوضى التي أحدثتها بعض مباريات كأس الخليج.. واعتبرت (كأرضية) مناسبة للاستثمار على نطاق أوسع.. واعتبرت فوز (فريقها) بكأس الخليج أكثر من مرة هو المؤشر الأساسي لدخولها نادي (كرة القدم العالمية) أسوة بالكويت والسعودية والإمارات التي دخلت منتخباتها (محفل)كأس العالم تباعاً نتيجة لتطور قدراتها (الكروية) التي اعتبر الحافز لها هو عصبية واحتقان منافسات كأس الخليج.
كان هذا هو (المفتاح) الأساسي لأجندة (قطر) التي عرف العالم كل تفاصيلها -فيما بعد- ولأن المملكة العربية السعودية تكاد تكون قارة قائمة بذاتها، فقد كانت هناك عيون وآذان ونقود تتحرك في أروقة منافسات (الدوري السعودي) وتتعاقد مع بعض اللاعبين السعوديين، وتغذي التعصب بين مشجعي الأندية الكبيرة، وتتعامل معها كما لو أن كل نادٍ هو (حزب) سياسي يدار بعنصرية ومناطقية وألوان وأصول.. غير أن إسناد مهام كرة القدم السعودية من قبل ولي العهد زين الشباب الأمير محمد بن سلمان لمعالي المستشار تركي آل الشيخ والإنجاز الذي تحقق في تحولاتها ودفعها في طريق الاحتراف بطريقة غير مسبوقة وإخراجها من تحت مظلة الهيمنة المصلحية التي غذت الشحن والعصبية يظل هو المؤشر الحقيقي لخروج كرة القدم السعودية من دائرة التقاليد البالية التي كانت أسيرة لها منذ مطلع السبعينيات.
أما في الاتجاه الذي تحركت فيه وتحركه قطر، فقد أقفل الباب تماماً، ولم يبق سوى ملف (كأس العالم) الذي نرى أنه سوف يسحب من يدها قريباً.