د. أحمد الفراج
كتبت كثيرًا في مقالاتي وتغريداتي أن دونالد ترمب سياسي مختلف، لم يتسنّم منصباً رسمياً في حياته، لأنه ببساطة لم يترشح إلا مرة واحدة، وللرئاسة، وقد فاز بها، على عكس معظم رؤساء أمريكا السابقين، الذين تعصرهم التجارب قبل الترشح للرئاسة، فالرئيس نيكسون كان عضواً في الكونجرس، ونائباً للرئيس، ديويت ايزنهاور، والرئيس ريجان كان حاكماً لولاية كاليفورنيا الكبيرة، والرئيس كارتر كان حاكماً لولاية جورجيا، والرئيس بوش الأب كان مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية، وسفيراً لدى الصين، ونائباً للرئيس ريجان، والرئيس أوباما كان عضواً في مجلس الشيوخ، وبالتالي فقد كان متوقّعاً أن يرتكب ترمب بعض الأخطاء، وقد حدث ذلك مراراً، أولها حينما اختار بعض أركان إدارته على عجل، ثم اضطر لإقالتهم بعد وقت قصير، وعلاوة على ذلك، فإنه نرجسي وعنيد صعب المراس.
بعد فوز ترمب بالرئاسة، لم يكلّف نفسه باتباع البروتوكولات الدبلوماسية، ولا الأعراف المتبعة في واشنطن، ولذا دخل في حرب شرسة مع الإعلام، لا تزال رحاها دائرة، وهي وسائل إعلام عالمية، وليست أمريكية فقط، مثل قناة سي إن إن، وجريدة النيويورك تايمز، وجريدة الواشنطن بوست، ولم يكن عنده أي استعداد للتنازل، فهو لديه قناته الخاصة، التي يتابعها أكثر من خمسين مليوناً، وأعني بها حسابه على تويتر، معظمهم من جمهوره المخلص، الذين لا يثقون بالإعلام التقليدي، ولا بالمؤسسات الرسمية، وهو يعرف أنهم هم من أوصله للبيت الأبيض، وهم من سوف يصوّتون له مرة أخرى، وبقدر ما نجح الإعلام في تشويه صورته، فقد نجح هو أيضاً في تشويه صورة الإعلام، من خلال وصفه بالإعلام الكاذب، ولا بد من الاعتراف بأنه نجح نجاحاً باهراً في تحقيق معظم وعوده للناخبين، خصوصاً فيما يتعلّق بالاقتصاد، والأرقام لا تكذب، وهو يباهي بها حالياً.
عندما تسنّم ترمب الرئاسة، قرَّر أن يعمل على تحقيق وعده بتحسين الاقتصاد، وفي سبيل ذلك، أعلن حرباً على الصين، ولم يوفر حتى أقرب الحلفاء، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا، وهو يملك قدرة عجيبة على الجمع بين التصريحات الحادّة، التي تصل حد الوقاحة، وبين الاحتفاظ بالصداقة في ذات الوقت، وكان طريفاً عندما قال قبل أيام: «إن رئيس الصين كان يحبني، لكنني أظنه يكرهني الآن!»، وكان قبل ذلك قد قال: «إن زعيم كوريا الشمالية كتب لي رسائل جميلة، ثم وقعنا في الحب!»، وهو ذات الزعيم، الذي كان قد وصفه قبل أشهر بالقزم المجنون، ولا يمكن أن أنسى عندما دفع رئيس جمهورية الجبل الأسود، وتقدّم عليه في الدخول لقاعة المؤتمر، أثناء إحدى القمم، ولم يكترث بهجوم الإعلام عليه بسبب ذلك، والخلاصة، هي أن ترمب سياسي مختلف، وشخصية فريدة في سلوكها، وسبق أن كتبت أنه يشبه المصارع، لوي البانو، الذي كان المعلّق، إبراهيم الراشد - رحمه الله- يردد بأنه: «لا يمكن التنبؤ بما يفعل»، وبالتالي فإن ما يهم في التعامل مع ترمب هو «الأفعال»، أما «الأقوال» فهي شأنه، ولا تغيّر من الواقع شيئاً!