عبد الاله بن سعود السعدون
ساد الشارع العراقي نوعٌ من الهدوء الصامت لاكتمال انتخاب الرئاسات العليا الثلاث دون تعقيدات سياسية مستمرة بعد فترة صعبة وقلقة عاشها المشهد العراقي السياسي لفترة طويلة ممثلاً أولاً بصراع الكتل بكل اتجهاتها إثر الانتخابات البرلمانية والصراع لإعلان الكتلة الأكبر والتي يحق لها دستورياً بترشيح رئيس مجلس الوزراء واستمر هذا الصراع بين كتلتي البناء والإصلاح والإعمار وانتهت بالتوافق الشخصي بين السيد مقتدى الصدر والسيد هادي العامري زعيمي أكبر كتلتين لعدد الأصوات البرلمانية وتم اتفاقهما على تمرير انتخاب السادة الحلبوسي أولاً لرئاسة البرلمان ومن ثم انتخاب الرئيس برهم أحمد صالح في جلسة صاخبة في داخل البرلمان وخارجه لاختلاف الأحزاب الكردية عن المرشحين المتنافسين وجاءت المفاجأة بفوز الرئيس برهم بأكثرية ساحقة وكأن الأمر مرتباً له بخطة منظمة سابقاً فبعد تأدية الرئيس المنتخب برهم صالح قسم اليمين كتاسع رئيس للجمهورية العراقية ولم تمر دقائق معدودات سلم خطاب التكليف للسيد عادل عبدالمهدي رئيساً لمجلس الوزراء المكلف لتأليف وزارته الأولى خلال شهر واحد، ومعه انتهت أعسر عملية قيصرية شهدتها العملية السياسية العراقية منذ الاحتلال الأنكلو أمريكي لبغداد الرشيد في عام 2003م.
يتفق معظم المحللين السياسيين المهتمين بالملف العراقي أن بادرة التعاون والتفاهم بين قادة الرئاسات الثلاث يبشر بالأمل والتفاؤل لمرحلة جديدة تقدم من خلال انسجامها ببرنامج واسع من الخدمات العامة وبالذات لمعالجة تدني الخدمات المائية كمّاً ونوعاً، مما سبب ذلك انتشار الأمراض المعوية بين أهل البصرة، الفيحاء، والخشية؛ من استيقاظ مكروب الكوليرا.. فقد ظهرت إصابات محدودة علاوة على الأمراض المستوطنة من مأساة الاجتياح الأنكلو أمريكي للمنطقة الجنوبية من العراق.
هناك العديد من الملفات المؤجلة والهامة والتي تنتظر الوقت المناسب والجدية في إنهائها وعلى رأسها الموارد المائية وعلاقة الجارتين تركيا وإيران؛ ولابد من الوصول معهما على اتفاق ملزم دوليّاً بتنظيم تدفق المياه من الأنهار والروافد القادمة منهما، والملف الآخر والهام أيضاً الوضع الزراعي المتردي في الوسط والجنوب وهجرة المزارعين للمدن كعمالة عاطلة ولابد من وضع خطة إستراتيجية لانعاش الزراعة في العراق قبل أن يحل القحط الغذائي في بلد الرافدين ويلي ذلك سلسلة طويلة من الملفات الخاصة بالصناعة والصحة والتعليم ومكافحة البطالة بشكليها الفعلي والمقنع وتشير الإحصائيات أن هناك أربعة ملايين موظف حكومي نصفهم بدون مسميات وظيفية ويشكلون عبئاً مالياً على الميزانية مستندين على نفوذ الكتل والأحزاب الحاكمة.
يشكل شعار مكافحة الفساد بكل صنوفه الأمل والهدف الذي ينادي به كل مواطن عراقي عاش ويلات هذا الوباء الاجتماعي الذي حول المجتمع العراقي الرسمي إلى وكالات للقبض الرشوي المادي من أجل أية خدمة حكومية والمصادمة المرتقبة مع تماسيح الفساد ليس بالعمل الهين لاسيما وأن المستنقع الرديء لاحتضانها وحمايتها ومشاركتها بغنائمها المحرمة هي نفسها المحيط السياسي الشائك والمؤتلف بحلف غير مرئي من الكتل والمليشيات المسلحة والعصابات الإجرامية.
تحقيق الأمن والسلم الاجتماعي مطلبٌ ملحٌ لتحقيق الجو المناسب من الاستقرار والسلام حتى يتهيأ المناخ المناسب للجذب الاستثماري وتطوير اقتصاديات العراق المنهارة.. وتحقيق نسبة عالية من الأمن يتطلب جمع السلاح السائب لدى المليشيات المنفلتة والتي تتحكم بالقوة في مصير المواطنين وتعرض السلام المجتمعي للخطر.. ومن أولى مهام وزارة الداخلية الجديدة بتسلم واجب ومهمة جمع السلاح غير المنضبط وإيداعه في مستودعاتها وربط جميع الأجهزة الأمنية بمنظومة واحدة هي وزارة الداخلية العراقية.. وكفى تفجير ودخان ودم.
العراق منذ الاحتلال الأنكلو أمريكي حتى الآن يعيش بنظام حكومة مصالح خاصة وليس دولة تبنى بمؤسسات دستورية قوية يستند عليها بنائها وتسعى بتنفيذ إستراتيجيات تسير بشكل متوازي نحو تحقيق سياسات اقتصادية وسياسية واجتماعية معتمدة على خطة شاملة تسعى للتنمية الشاملة.. ومن هنا تنطلق للفضاء الدولي بالعلاقات المتكافئة خدمةً لمصالح العراق العليا. وتظهر هذه الآمال العريضة في سياسة متوازنة حين اختيار شخصية وزير خارجية العراق الجديد.. ومما يبشر بتفهم إقليمي ودولي برسائل التهنئة والترحيب بانتخاب الرئاسات الثلاث.
إن السعي لتأليف وزارة جديدة مهمة صعبة جداً سيواجهها السيد عبدالمهدي في هذه الظروف المتشنجة شعبياً والمحاط بمثلث متناقض؛ أضلاعه تكتلات سياسية مراجعها خارج العراق.. ضلعان ضاغطان هما القوى الإقليمية المؤثرة والمتشكل من بوصلة طهران وواشنطن.. وقاعدة المثلث الساخنة: الشعب العراقي الغاضب والذي ينتظر تحقيق أهدافه ومطالبه.. وغليانه قد يصل لمرحلة الأنفجار إن يئس وقنط من مسيرة حكومة السيد عبدالمهدي الأولى وللأشهر الست الأولى.