د. علي بن فايز الجحني
جاء اليوم الوطني الثامن والثمانون هذا العام والمملكة بحمد الله تعيش تطورًا وازدهارًا وتلاحما، وأجواء مفعمة بالأمن والاستقرار والتنمية الشاملة التي يقف أبناء الوطن والعالم أمامها إكبارًا وإجلالًا، ولعل من أظهر وأهم ما يجب استحضاره وتذكره في هذه المناسبة العظيمة ملحمة التوحيد والأمن والإنجازات التي تمر بها بلادنا المترامية الأطراف؛ حتى أصبحت واقعًا حقيقيًّا اعتياديًّا في حياتنا، نحياه ونعيشه بفضل الله، ثم بكفاح وجهاد المؤسس الباني الملك عبد العزيز رحمه الله الذي جمع الشتات ووحَّد الكلمة على الشريعة الغراء.
وقد استمرت مسيرة البناء والتطور، في ظل الثوابت والسياسة المتزنة، عهدًا بعد عهد حتى أصبح لكل إمام، ولكل مرحلة، و لكل عهد بصماته وإنجازاته الباهرة التي لا تنسى.
وَإِنِّي مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ عَرَفْتَهُمْ
إِذَا مَاتَ مِنْهُمْ سَيِّدٌ قَامَ صَاحِبُهْ
نُجُومُ سَمَاءٍ كُلَّمَا غَابَ كَوْكَبٌ
بَدَا كَوْكَبٌ تَأْوِي إِلَيْهِ كَوَاكِبُهْ
المملكة عظيمة قيادة وشعبًا وأرضًا، يقول الإعلامي ورجل الكلمة الأستاذ / خالد المالك -وقد لا مس الحقيقة-: حين يغيب أيٌّ منا عن الوطن، وتبعدنا المسافات عن ديارنا، ونفتقد أجواءً اعتدنا عليها، نشعر بالغربة كلما طال بنا السفر، وازدادت فترة غيابنا.
أجل إن هذا الوطن الغالي المقدس يمثل للمجتمع السعودي قيادة وشعبًا الكرامة والوجود والحياة، وهوالقَلب والانتماء والهوية والفداء، وبالتالي هو أمانة، وقلادة فخر وسمو ومسؤولية في أعناق أبنائه .
رحم الله الملك المؤسس فقد قدم لهذا الشعب من أقصاه إلى أقصاه أعظم إنجاز، وأفضل تركة، وأسمى أمانة خالدة تالدة بحول الله وقوته بحيث كل جيل يسلم الأمانة للجيل الذي يليه، كيف لا وفي وطنا أقدس المقدسات، وعلى ثراه أعظم وحدة في العصر الحديث، وهو قلب العروبة، والتاريخ والحضارة والإنجازات والخيرات.
إن شعوب العالم المتطلعة إلى غد أفضل هي في العادة تطالب أنظمتها السياسية بمطالب تنموية، ويكلفهم انتزاع ذلك من أنظمتهم الشيء الكثير، وقد تُجهض تلك الاستحقاقات، ويُقمع أصحابها، إلا في السعودية، فإن الوضع على النقيض، حيث إن القيادة هي من ترتقي بالشعب وتأخذ زمام المبادرة، وتسبق ما يفكر فيه شعبها بمراحل، محققة طموحات أكبر، وإستراتيجيات أعظم، لأنها تنظر إلى الأمام مصطحبة حب شعبها ومصالحه بكل ثقة واقتدار، وحرص، ملتمسة أسباب التقدم والتطور التي قد تقصُر رؤية وفهم البعض عن إدراكها وتصورها في حينها، وعلى سبيل المثال فإنه في الوقت الذي دعت إلى التعليم، وفتحت الأبواب له، ومن ذلك تعليم المرأة في البدايات برزت فئة من أبناء المجتمع تدعو إلى الانكفاء وعدم استحسان ذلك، بل وصل الأمر إلى إطلاق أحكام شرعية، وعلى هذا المنوال الكثير من المشاريع التنموية والمستجدات، والمفارقة أنه بعد حين تكتشف تلك الفئة من المجتمع فداحة أخطائها وافتئاتها، وتصبح أول من يستفيد من تلك المنجزات والمبادرات التي لم ترق لها في البداية.
والحق أنه وفي هذا العهد الزاهر، عهد ملك الحزم والعزم خادم الحرمين الشريفين الملك المفدى سلمان بن عبد العزيز وعضده ولي العهد الأمين الأمير الشاب الملهم المحنك محمد بن سلمان تعيش المملكة تحولات غير مسبوقة، وإنجازات نوعية وكبيرة، وانفتاح على العالم، وإستراتيجيات مستقبلية، ورؤية طموحة، ومواجهات حقيقية للتحديات الخارجية والداخلية بالعزم والحزم والقوة، فإن على الجميع وفي مناسبة اليوم الوطني المجيد (88) أن يتذكروا صباح مساء هذه الانجازات والنعم التي لا تعد ولا تحصى، وأن يُبسط الحديث فيها شرحًا وتحليلًا موضحين للشباب ما قدمته القيادة من تضحيات وشهداء في معارك التأسيس، وفي كل المراحل، وكذلك لنذكّر من نسي أو تناسى بأن هذه الدولة قامت بفضل مؤسسها بعون الله وتوفيقه ودون أي مساعدة خارجية، وأن قادتها وأبنائها واجهوا خطوبا كثيرة وتحديات داخلية وخارجية متنوعة، لكنهم ظلوا صامدين متماسكين اقوياء بالله، وجبال شامخة أمام كل الأعداء والتيارات المناوئه، ولا زالوا يقدمون التضحيات والشهداء في ميادين الشرف دفاعًا عن الوطن وعن مقدساته وأمنه ومصالحه .
وها هي معدلات التنمية ومشاريعها في كل المجالات تحقق أعلى معدلاتها في ظل المحافظة على الأمن والاستقرار، وتتجلى في عشرات الجامعات وتوسعة الحرمين الشريفين، والمنجزات الصحية والتعليمية، ومشروعات الطرق والنقل والكهرباء والبنية التحتية، والاتصالات، وتحديث مؤسسات الدولة، والأنظمة، وفوق هذا بناء الإنسان السعودي وفتح نوافذ الابتعاث الداخلي والخارجي، وبناء القوات العسكرية والأمنية وتلبية كل احتياجاتها من معدات وتجهيزات وأسلحة متطورة، وكليات ومراكز ومصانع ومدن تدريب.
وعلى الصعيد الخارجي فإن للمملكة حضورها المحوري المؤثر انطلاقًا من المسؤوليات الملقاة على عاتقها، في توحيد الصف العربي والإسلامي، ومحاولة الحد من الأسباب التي عصفت بها في السنوات الأخيرة، وأضعفت كياناتها، وأنهكت قواها.
وهناك علامات فارقة وبارزة تتعلق باحترام كرامة الإنسان انطلاقًا من شريعتنا الغراء، فلم يكن هناك الاعتقال العشوائي، عند حدوث أي حدث أمني من العاقين للوطن، ولم يُفرض حظر التجوال، أو إعلان حالة الطوارئ، أو الأحكام العرفية, أو أخذ الأقارب بجريرة أبنائهم , أو إساءة الظن بالناس، أو العمل على توسيع دوائر الاشتباه التي بالفعل تأخذ بها بعض الدول في مثل هذه الأحداث والأزمات.
إنها مملكة الأمن والإنسانية والعدل؛ حيث يعيش كل مواطن ومقيم حياته كريمًا آمنًا مرفوع الرأس.
حفظ الله الوطن وقيادته ورجاله المخلصين الذين يدافعون عنه، وامضِ يا أغلى وطن إلى الأمام فالكل معك وعناية الله ترعاك وتحرسك, وتبًا للأعداء والحاقدين والحاسدين، وسحقًا للخونة ودعاة الفتنة والفُرقة والتخذيل .