يوسف المحيميد
كنت قد عدت للتو من رحلة عمل في مراكش، وخلال جولاتي مع السائق المغربي سمير، كنت ألاحظ نظافة شوارع المدينة ليل نهار، لا يمكن أن ترى ورقة أو علبة مرمية، وفي الوقت ذاته، لم أشاهد عامل نظافة واحداً يسير على الأرصفة ويلتقط البقايا، فكنت أتساءل بصوت عالٍ في حضرة السائق، الذي قال لي، بأن نظافة المكان هو سلوك إنساني، والشعب هنا اعتاد على هذا السلوك الراقي، فلا أحد يرمي مخلفات على الأرض!
لقد تذكرت ذلك وأنا أستعيد ذاكرتي مع عواصم عربية أخرى، دون أن أذكر أسماءها، وهي تعج بالأوساخ والقاذورات الفظيعة، وقد كنت أعتقد أن هذا سلوك عربي مزمن، فأشرع بتمجيد الغرب وسلوكهم الحضاري في الحفاظ على مدنهم نظيفة، معتقداً أنهم جنس بشري مختلف، لكن هذا المثال، مراكش، وربما غيرها من مدن عربية أخرى، تحظى بهذه الدرجة من النظافة والرقي الإنساني.
وفي صدد الحديث عن نظافة المدن، لا يمكن أن ننسى الشعار الجميل الذي أطلقته أمانة الرياض منذ عقود طويلة: حافظوا على جعل الرياض نظيفة، وهي ستبقى نظيفة وأخواتها من العواصم العربية، ليس بجلب المزيد من عمال النظافة، وإنما بتفعيل الجانب التربوي من العملية التعليمية، فدور الأسرة والمدرسة مهم للغاية، خاصة المدرسة ودورها في تهذيب السلوك والمحافظة على نظافة المكان، وعلى الممتلكات، وأيضًا الحفاظ على البيئة، ولعل ما نشاهده أحيانًا من مقاطع فيديو لمخلفات في المتنزهات العامة والبر والصحراء، هو ما يثير هذا التساؤل، لأن سلوك هؤلاء المتنزهين يصعب ضبطه وتقويمه فعلاً، من خلال الغرامات مثلاً، فلا بد من التوعية المستمرة، وقبل ذلك التربية في مراحل الطفولة المبكرة، وأثناء جميع مراحل التعليم العام، فنظافة المكان هو صورة لثقافة وتحضر سكانه ورقيهم.