مها محمد الشريف
لقد قدِم إلى منطقة الشرق الأوسط معظم دول العالم إن لم تكن جميعها، فهل هذه خدمة للسياسة العربية؟ أم هي علاقات دبلوماسية جيدة مع الجميع؟ ولو أن الحقائق تخبرنا بعكس ذلك. لا يوجد سبب وجيه سوى أننا لم نتفق يومًا أو نتحد. فشل الدول العربية في تحقيق السلام والتفاهم فيما بينها كان يخضع لاعتبارات شائكة عدة؛ ما جعل أمريكا وروسيا تسرفان في آمالهما، وتعيدان التاريخ المتصدع إلى الزمن الحديث.
بالطبع، لم تكن أمريكا وروسيا بعيدتَيْن عن المشهد، وهما اللتان تحركان الأحداث، ويعدان دراسات الحضارات وخصائصها ومكوناتها.. وما يحصل لم يكن حديث عهد، ولو أن المساواة بين الدولتين العظميين في الشرق الأوسط ظالمة؛ فصناعة الانقلابات وإشعال الثورات يزرعان الفوضى داخل الأنظمة حتى اقتربت فترة التطبيق للمخططات القديمة المرسومة، وعودة استعراض القوة العسكرية، خاصة في وجود أدوات الاستعمار وهيمنته، الذي تم التخطيط له في الشام والعراق وليبيا واليمن منذ أمد بعيد، واعتمد على التحول الجيوسياسي الذي لم تكتمل مقوماته وركائزه.
وها هو الرئيس التركي أردوغان يقرِّر عدم مغادرة سوريا قبل إجراء الشعب الانتخابات، وكذلك الحال مع روسيا تنشر منظومة صواريخ إس -300 في سوريا، وحقوق الإنسان تقدِّم خدعًا بصرية خلف الأقنعة، لها نتائج عكسية خطيرة، لم تكن في الحسبان، يقايض بها الخونة ضد أوطانهم.
وما زالت المفاوضات والتعاملات من جميع الأنواع تجري قيد المصالح، حتى فاجأنا الضجيج الهائل الذي ينبغي تضمين الرؤى والأفكار له قبل توحدهم ضد المنطقة، ومن ثم بدأت محاولات غامضة بلا أفق، مع أنه لا مجال للشك بأنها سياسة توسعية، بسطت الساحات للقتال في أجزاء متفرقة من المنطقة.
في الحقيقة كان يجب أن يقال إنه من الثابت تمامًا من الناحية السياسية الصرفة أن أي حرب مفتعلة لا تعمل من أجل السلام. ثانيًا، وعند هذه النقطة نأخذ من كتاب حدود الدم بعض المقتطفات لـ»رالف بيتر» الجنرال الأمريكي المتقاعد الذي تكلم فيه عن الحدود الدولية التي لا تبدو مرسومة بعدالة بل بالقوة - على حد قوله -، ولن تستطيع بوجه عام طمأنة جميع الأطراف؛ إذ تناول مواضيع سياسية أو مقالات بأسلوب النقد اللاذع، ولها تأثير على الرأي العام.. فالحدود الأكثر اعتباطية والأكثر تشوهًا في العالم توجد في إفريقيا والشرق الأوسط.
ولاسيما أن المصالح هي التي رسمتها للأوروبيين الذين كانت لديهم اضطرابات كافية لتحديد حدودهم؛ إذ لا تزال الحدود في إفريقيا من أهم أسباب موت الملايين من السكان المحليين، ولكن الحدود غير العادلة في الشرق الأوسط - والاستعارة هنا من تشرشل - تولد مشاكل أكبر من أن تحل محليًّا.
ويتمحور الكتاب نحو انعدام العدالة التي تفرضها الحدود على هؤلاء الذين ترغمهم الحدود على أن يكونوا مجتمعين أو منفصلين؛ وبذلك يكون المخلص في أن ينحاز إلى صالح الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط ومشروع التقسيم.
ومن أجل تجنب مراحل الذهاب والإياب غير المحسومة في قضايا الحدود نعيد ما سلف من الاضطرابات الحدودية بين الدول، والصراعات القائمة على الأرض منذ العصور والأزمنة القديمة. وما يحدث الآن ليس أحداثًا غريبة الأطوار، بل يحاكي كثيرًا من الأحداث في التاريخ؛ إذ بدأت من الصفر، وكبرت بسوء تنظيم الأولويات وحل الإشكاليات الصغيرة وتركها حتى تكبر؛ لتصبح خطرًا وشيكًا.