د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
يستهويني البحث في التعاميم التنظيمية التي يضج بها الميدان التعليمي؛ ويدهشني ما يحيط بعض القرارات التنظيمية من المغيبات، خاصة تلك التي تجعل التنفيذ وفق الإمكانات والعرض والطلب. ويتصدر تلك الحزمة تعاميم الطوارئ، وهي ذات حظوة في مواقع التواصل والاتصال الاجتماعي؛ لأن معظمها مما يحاك لرتق الشقوق؛ ودائمًا ما يكون الخطل فيها حين البحث عن الخطأ وليس الصواب. وحين اطلعت عبر وسائط الاتصال على ما أصدرته وزارة التعليم في الأسبوع الماضي بعنوان (تعزيز الانتماء الوطني وتوطين الوظائف في التعليم الأهلي) وجدته تعميمًا يشرق عنوانه وطنية، وإن كان من تعاميم الطوارئ وفق ديباجة التعميم الذي استدعته الضرورة والأمن الفكري الوطني.. وفحواه إلزام المنشآت التعليمية الخاصة بالتوطين دعمًا لمعززات الولاء والانتماء الوطني؛ إذ إن التعليم الأهلي والأجنبي يمثل الوجه الآخر للمدينة الفاضلة التي ينبغي أن يكون عليها! وما فتئ الإشراف على التعليم الأهلي والأجنبي ودعمه من قِبل وزارة التعليم بحكم اختصاصها، ومن قبل الدولة -رعاها الله-، كرافد مجزٍ للتعليم الحكومي إذا ما أَحسن وأُحسن إليه؛ فالتعميم ضابط لمسار كان يشهد اعوجاجًا منذ الأزل؛ إذ توالت العثرات في مسارات توطين الوظائف في منشآت التعليم الأهلي والأجنبي؛ فأضحى كل من حل ضيفًا على بلادنا جاز له العمل في تعليم الطلاب وإدارة شؤونهم في تلك المدارس حتى استقبلت المدارس من كل حدب وصوب دون رابط أو ضابط أو قدرات مميزة إلا لمامًا. ودائمًا ما نتساءل وتضج المجالس عن خططنا الوطنية لصناعة التعليم المتميز من خلالنا!!؟ فقد حاز توطين الوظائف في التعليم الحكومي تمامه منذ عقود، وكان التعليم الأهلي أجدر بالسبق في ذلك لقلة عدد منشآته ومرتاديه من الطلاب، ولسهولة اكتشاف النابهين من الخريجين واستقطابهم وفق تفوُّق الإمكانات المادية والبيئات الجاذبة في تلك المنشآت. وإذا ما كانت خطط التوطين في المنشآت التعليمية الأهلية مبادرات وشراكات من تلك المنشآت التعليمية الخاصة أفرادًا وشركات فحتمًا سوف تسمح تلك المبادرات بالتسلل خلفها إلا من اتقى!!
ولذلك فالتعليم الأهلي والأجنبي يحتاج إلى إعادة هيكلة للمهن الإدارية والخدمية مهما صغرت، وكذلك هيكلة الوظائف التعليمية التي يجب قصر العمل فيها على المواطنين والمواطنات، وتتساوى حتمًا في تصنيفاتها وخططها مع التعليم الحكومي إلا في بعض منصات الأنشطة الإثرائية التي لا يقصر استيعابها عن القدرات الوطنية، ومن ثم دعم تلك القطاعات في تشكيل آليات الاستقطاب الحية؛ إذ إنه من المؤكد أن ثقة المواطن في حماية حقوقه هو سلم الصعود المتين لتلك الوظائف. والأمر يتطلب تطوير برامج التوطين الموجَّه الذي غزلت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بعض خيوطها.
فنحتاج إلى تحقيق أحلام الريادة وليست السيادة، وعدم التعامل مع جميع الأطراف بالمقياس ذاته؛ فالتعليم صناعة شاملة لكل من يسهم في تحقيقه؛ وحتمًا المرحلة تتطلب تعاملاً مختلفًا مع استراتيجيات التوطين في المنشآت التعليمية الخاصة، ورفع سقف متطلبات البقاء، وأن تكون قوة المخرجات من مدركات الوجود المتفوق.
والمطلع على التعميم الذي أصدرته وزارة التعليم بتفاصيله وأبعاده يجزم أن هناك انقلابًا على الأطر اللينة الناعمة التي تحيط بالتوطين في التعليم ومؤسساته الخاصة، وأن الاعتماد على النمطية الحالية لاستجلاب الفرص الوظيفية وعرضها أمام المواطنين والمواطنات يجب أن يتغير، ويتحول إلى سلم المهمات العليا التي تقام لها الأوتاد، وأن تضطلع بتنفيذها كل الوزارات المعنية بالموارد البشرية الوطنية واستثمارها. ومع ما سوف يقر من التدابير لتنفيذ التعميم المشار إليه سينبثق تحول حافز نحو سوق العمل الوطني المقنع في مجال التعليم.