د. حمزة السالم
في مجموع نتائج المسح العلمي الشمولي لأصوات علماء السياسة من 1948- 2018م لأفضل الرؤساء الأمريكيين الصادر من جمعية العلوم السياسية الأمريكية، يأتي، الرئيس الأمريكي السادس والعشرون، «تي أر» في المرتبة الرابعة بعد جورج واشنطن مباشرة وقبل جفرسون كاتب الدستور الأمريكي. ويأتي ترتيبه في الخامس في تصويت الليبراليين والمحافظين. بينما ابن عمه البعيد (صاحب اللقاء التاريخي مع المؤسس الأول -رحمه الله-) فرانكلين دي روزفلت، يأتي في المرتبة الثانية قبل جورج واشنطن، وبعد ابراهام لينكون بالطبع، الذي لم ينازعه أحد قط على المرتبة الأولى في أي عام وفي أي تصويت.
وبجانب لينكون وواشنطن وجفرسون، يأتي «تي أر» ضمن الوجوه الأربعة المنحوتة على قمة جبل راشمور -بولاية داكوتا-، خلال عقد 1930م.
وبالرغم من أمراضه وضعفه في طفولته، إلا أن نشأة تي ار بعد ذلك، اتخذت منحنىً معاكسًا. فقد شب «تي ار» عنيفا محبا للعنف. شكل فرقة من المتطوعين الخيالة فقادهم في الحرب الإسبانية الكوبية، فأقحم نفسه وفرقته في المهالك، فأصبحت تكنى بـ»رعب تيدي-ثيودور-» وسُميت فرقته بجوالة روزفلت القساة.
اعتكف في الغرب الأمريكي المتوحش -آنذاك-، هربًا من أحزانه على فقدان زوجته. مبررًا ذلك بأن الاكتئاب لا يستطيع اللحاق بفارس يسابق الريح. فأشغل نفسه، فغلب الكاوبوي مصارعة وعنفا، فسلموا له وأذعنوا. وعشق الغرب فوضع غالب ثروته في تربية البقر، ثم عاد لنيويورك بعد أن خسر قطيعه، بسبب هلاك 40 ألف رأس، في عاصفة الثلج عام 1886م.
كان سعيدا متوفقا في زواجه الأول والثاني، بخلاف لينكون وإف دي أر. وكان محط اهتمام الإعلام المعجب به بعد وقبل رئاسته، بالرغم من وحشيته وإزعاجه وعدائيته، وطاقته المتفجرة.
كان يمشي سعيا، أول استلامه الرئاسة، فيقطع عشر جادات، من منزل أخته للبيت الأبيض.
كان دائما يخرج الريح غير مبالٍ بأي شيء، في كل وقت وكل مكان وأمام كل أحد، ولم يعترض أحد على ذلك. كان يتصارع مع الدبلوماسيين، وموظفيه، فقد كان عنيفًا في كل شيء حتى في هواياته، التي كان منها الملاكمة. ولم يترك الملاكمة، ويعترف بشيبته، حتى تبارى وهو رئيس مع ملاكم شاب، فأعمى أحد عينيه، فصار الرئيس يرى بعين واحدة. أصيب برصاصة في صدره وهو يخطب، فأكمل كلمته غير مبالٍ بنزيف الدم من صدره.
زلق لسانه، وهو في أوج فوزه الاكتساحي الانتخابي، فتعهد بعدم الترشح لفترة ثالثة أمام الصحفيين، مما اضطره لترك الرئاسة وهو في أوج شعبيته وقوته السياسية ونضوجه الرئاسي وهو ابن خمسين عاما، وذلك وفاء لعهده. كان يقول: أتمنى أن قُطعت يدي، ولم أتفوه بذلك العهد السخيف. فحتى عام 1951، لم يكن هناك قانون يمنع من الترشح لأكثر من مرة.
وبعد ترك «تي أر» الرئاسة، ذهب لمجاهل إفريقيا في رحلة صيد خطيرة، صاد فيها لوحده 512 حيوانًا كبيرًا، منها 20 وحيد قرن، 17 أسدًا، 11 فيلاً و9 زرافات. وأرسل مخيمه أكثر من 11 ألف حيوان محنط لأمريكا، ثم عاد وهو شبه ميت بعد أن كاد أن يهلك حقيقة في مجاهل إفريقيا.
هو أول رئيس أمريكي يخرج خارج أمريكا أثناء رئاسته، وأول من عزم زنجيًا في البيت الأبيض، وأول من وضع المحميات الطبيعية، وأول من فرض أنظمة العمل والعمال، وأول رئيس نزل في غواصة، وأول من يرسل برقية دبلوماسية، وأول رئيس يمتلك سيارة وأول أمريكي، ينال جائزة نوبل. وأول رئيس يكتب 150 ألف رسالة، متعديًا بذلك جفرسون، الذي كتب 20 ألف رسالة.
شكل تي ار الأساس الأخلاقي للتجارة والصناعة، مع تفجر الثورة الصناعية في بداية القرن العشرين. وكسر حاجز هيبة الرأسمالية التي كانت مسيطرة آنذاك بنسختها المتشددة. فأكثر التجرؤ عليها وتعديلها وفرض الدولة على السوق والملكيات، حتى اتهمته أمريكا بالاشتراكية، إلى أن جاء فرانكلين دي روزفلت، بعد ربع قرن، فما أبقى من طروحات الرأسمالية إلا اسمها وأصل جواز التملك، واعتدى على ما دون ذلك بالتغيير والتبديل، وهذا له أحاديث ذو شجون، لعلنا نأتي بها مستقبلا، فإف دي آر هو من صاغ وسن وفرض الدستور العالمي الحديث.