د. محمد عبدالله العوين
في عام 1415هـ أحال إلي كبير المذيعين -آنذاك- الأستاذ غالب كامل خطابا يطلب فيه إجراء تجربة صوتية لعبدالعزيز الذي تقدم بخطاب أبدى فيه رغبته بالعمل الإذاعي.
عشرون عاما مرت على آخر لقاء بيننا، لم أره بعد عام 1395هـ، أشغلتنا الحياة بلهاثها وركضها؛ على الرغم من أننا من مدينة واحدة، وكان من المنتظر أن تجمعنا مناسبة عامة أو خاصة. أسعدتني رغبته في الالتحاق بالإذاعة، وقرأت خطابه فأعجبني أسلوبه السلس ولغته السليمة وخطه الأنيق الجميل.
كانت التجربة بعد صلاة المغرب، هيأت له النصوص التي لا بد أن يقرأها؛ نص إخباري، ثم نص أدبي، ثم ارتجال على الهواء يصف فيه مشهدًا وطنيًا.
قرأ النص الإخباري؛ فإذا هو مأخوذ كما يبدو بطريقة إذاعة لندن (BBC) في قراءة نشرات الأخبار، ولعله كان يعتقد أنها الطريقة المثلى التي يحسن بمن يطمح أن يتميز الاقتداء بها، وفي تلك السنين كانت للندن شنة ورنة؛ إذ لا منافس لها من فضائيات أو إذاعات، ويتبارى في كسب جماهير المستمعين إليها أصوات عربية موهوبة ومدربة ولها خبرات طويلة، وتميزت بأسلوب خاص في أداء النشرات؛ لكن ليس من اللائق أن تكون المدرسةَ الوحيدةَ المثال؛ بل إن مما يعلي شأن أية محطة إذاعية تميزها بشخصية مستقلة وبلون خاص تعرف به، فأوقفت أبا سعد، وقلت له: يا عزيزي، سنعيد التسجيل، ولكن عليك أن تخفض قليلا من صوتك وتهدئ من سرعتك وتنسى إذاعة لندن!
تأكدت أن هذا الصوت الجميل سيملك حظًا كبيرًا من النجاح والتميز بعد قليل من التدريب، وأنه سينسى من أعجب بإلقائهم في أية محطة إذاعية وسيبني له شخصية مستقلة.
تميز صوته بمساحة عريضة وعمق في القرار وسلامة في مخارج الحروف وخلو من العيوب، وتجلت فيه نغمة رنين جذابة، ويميل في أداء بعض الحروف في نهايات الجمل إلى تدليلها وتنغيمها.
باركت له فور انتهائه من تسجيل التجربة؛ فلغته ممتازة، وصوته جميل، وحضوره في النص قوي، وثقته في نفسه كبيرة، قلت له: نحن الآن زملاء مهنة! سيأتيك خطاب في وقت قريب بمصاحبة عدد من الزملاء للتدرب على أيديهم في فنون العمل الإذاعي من فترات ونشرات وبرامج.
كتبت تقريري مرفقًا به شريط التجربة، ويبدو أنني أظهرت إعجابي بأدائه أكثر مما يحسن أن يكون عليه التقرير المحايد؛ فعاتبني الأستاذ غالب قائلا: بلدياتك!
والحق أن الموهبة تفرض نفسها؛ فلو كان من (بلدياتي) ولا يملك ما يؤهله لاجتياز التجربة لن يجتازها، وهو ما حدث مع أحد أقربائي؛ فلم يشفع له القرب ولا ثقته في نفسه وظنه أنني أملك القرار ليكون نجما إذاعيًا، فهذا النوع من العمل لا يملك النجاح والتميز فيه إلا صاحبه.