في هذه المقالة المهمة يلفت الأستاذ الدكتور صالح الطعمة انتباهنا إلى المشروع الثقافي الاستراتيجي؛ مشروع بروتا للترجمة من العربية الذي تصدّت له المبدعة الكبيرة د. سلمى الخضراء الجيوسي والذي لم ينل الاهتمام النقدي الكافي عربياً. ولم نجد مقالة واحدة عنه في الصحافة العراقية. بدءاً من عام 1980 أصدرت الجيوسي 30 عملا (كان الأول “الشعر العربي الحديث” بدعم مالي ومعنوي كريم من وزارة الثقافة العراقية) منها خمس موسوعات ضخمة. فتحية لها وتحية للدكتور صالح الطعمة.
تمهيد:
لقد أشرت من قبل في معرض الحديث عن “التلقي الأمريكي للأدب العربي الحديث: 1950-2008” (نزوى يوليو 2009) والناقد العراقي 1 مايس/ مايو 2014) إلى مشروع بروتا الذي أسسته الشاعرة الكبيرة الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي في عام 1980 وقلت عنه بأنه أسهم إسهاماً بعيد الأثر وذلك بترجمة عدد غير قليل من الإنثولوجيات الأساسية *مجموعة الشعر العربي الحديث (1987)* مجموعة الأدب الفلسطيني الحديث (1992) ومجموعة المسرح العربي الحديث (1995) مجموعة القصة العربية الحديثة (2005) وعدد من الروايات وبعض المجموعات الشعرية.
وذكرت أن من مزايا المشروع تمثيل الأدب العربي في الأقطار العربية وأجياله إلى حد بعيد ومحاولته تمثيل الأنواع الأدبية المختلفة (الشعر – القصة القصيرة – الرواية – المسرحية – السيرة) واعتماده على عدد كبير من المترجمين مما أسهم في رفع مكانة الأدب العربي وتحقيق انتشار واسع نسبياً له بين عامة القراء في أمريكا أو غيرها من الأقطار.
إن ما أستهدفه في هذه المقالة ومقالات أخرى هو ذكر بعض الهوامش الشخصية المبنية على دوري شاهداً لأول مبادرة دعم تلقاه المشروع المذكور (1979) ومؤازراً له منذ ثمانينيات القرن الماضي كعضو في لجنة المشروع الإدارية التي تضم ثلاثة زملاء آخرين: الأساتذة روجر آلن (جامعة بنسلفانيا) وأرنست مكاريوس وتريفر لوكاسك (جامعة مشيغن).
أما دوري كشاهد فيرجع إلى أني اطلعت على مشروع الجيوسي المقدم إلى كلية الآداب (جامعة الرياض سابقاً/جامعة الملك سعود) دون سابق معرفة به وذلك خلال العام الدراسي 1978-1979 حين كنت أستاذاً زائراً في الجامعة (الرياض سابقاً/جامعة الملك سعود) وكان لي شرف العمل عضواً في مجلسها العلمي.
كان هدف المشروع إعداد كتاب “مختارات من الأدب العربي الحديث مترجمة إلى الانكليزية”. ولهذا اعتبرته مفاجأة سارة وأعربت عن تأييدي له لاعتقادي آنذاك (1979-1978) – كاعتقادي اليوم 2018 بعد أربعين عاماً – بأهمية تمثيل الأدب العربي على أوسع نطاق ممكن من خلال أعمال إبداعية أو دراسات مترجمة إلى الانكليزية (أو غيرها من اللغات) منطلقاً من إيماني بأنه لابد من الترجمة المتواصلة إن أريد الوصول إلى أكبر عدد من القراء ومن تجربتي المهنية منذ 1964 كأحد أساتذة الأدب العربي في الولايات المتحدة (أمثال المرحوم منح عبد الله خوري (بيركلي/كاليفورنيا) والمرحوم فاروق عبد الوهاب (شيكاغو)، وروجر ألن (بنسلفانيا) وتريفر لوكاسك (مشيغن) وعيسى بلاطة /ميغيل/كندا)
.
لقد اعتبرته مشروعاً مهماً يمس شعورنا الجماعي بالفجوات المتعددة في حضور الأدب العربي في الغرب والحاجة الماسة إلى تلافيها سواء في السياق الأكاديمي أم خارجه بالرغم من الازدياد النسبي في الأعمال العربية المترجمة خاصة بعد حرب حزيران 1967 أي أن مرحلة ما قبل تأسيس بروتا (1980) لم تكن مقتصرة على بضعة أعمال كما توصف في بعض المقابلات الحديثة مع الدكتورة الجيوسي
.
لقد سرّني أن تبادر كلية الآداب إلى دعم المشروع كما جاء في مذكرتها وأن يوافق المجلس العلمي عليه في قراره المؤرخ في 29/5/1979. وبالنظر إلى أهمية المبادرة تاريخياً رأيت من المفيد الإشارة إلى أهم ما ورد في مذكرة كلية الآداب وقرار المجلس العلمي.
أ-عرض المشروع على قسم اللغة العربية الذي رأى أن تقدم الجيوسي ما اختارته لأدباء السعودية للتثبت من أنها “تتفق وأيديولوجية البلد وذوقه» قبل الإسهام في دعمه
ب-عرض الموضوع على مجلس الكلية الذي طلب الاتصال بالجيوسي لتقدم خطة مفصلة عن مشروع ترجمة النصوص وتكلفتها وطرق صرفها
ج- عرض تقرير الجيوسي وقد بحثت فيه الأمور التالية
ترتيب الكتاب ومحتوياته – أسلوب العمل – المترجمون – نوعية المنتخبات – الزمن المحدد للعمل – تكاليف المشروع، كما أفادت بأنه بالنسبة للتكاليف فإنه يسعدها أن تقوم جامعة الرياض بدعم المشروع جميعه، إذا كان هذا ممكناً، وإلا فلعل جامعة الرياض تدفع راتبها، ثم تحاول الحصول على أجور الترجمة وتكاليف العمل من مصدر آخر، وبالنسبة لإسهام جامعة الرياض في المشروع فسوف يشار إليه بالطبع بشكل بارز في مطلع الكتاب مهما كانت نسبة ذلك الإسهام.
د- بعد عرض المشروع على مجلس الكلية ومناقشته مناقشة مستفيضة (01/5/1399 8/4/1979) أوصى المجلس بالأمور التالية:
1-أن تتحمل جامعة الرياض نسبة من النفقات بين 60% إلى 75%.
2- يعقد اتفاق بين جامعة الرياض ومؤسسة علمية أخرى في أمريكا (جامعة ميتشجن مثلاً) تساهم هذه المؤسسة بموجبه بالجزء الباقي من النفقات وتتفق جامعة الرياض مع هذه المؤسسة المشاركة مع دار كولومبيا للنشر لتنفيذ إخراج الكتاب.
3– يشترك اثنان من أعضاء هيئة التدريس بجامعة الرياض، هما الدكتور منصور الحازمي والدكتور علي جاد مع الدكتورة الجيوسي في اختيار النصوص.
4- يشترط تمثيل الشعر السعودي في تلك النصوص المختارة.
أما المجلس العلمي فقد ناقش مذكرة كلية الآداب في الاجتماع الخامس والعشرين (29/5/1979)برئاسة الدكتور صالح العذل وأصدر القرار التالي:
يوافق المجلس على دعم مشروع إصدار كتاب يحتوي على ترجمات انجليزية لنصوص مختارة من الأدب العربي الحديث مع تحمل التكاليف الكاملة له، ويفوض الدكتور رئيس المجلس في اتخاذ الاجراءات التنظيمية اللازمة لتنفيذه.
تعليقات:
إن أول ما ينبغي ذكره حول القرارين المذكورين أن المجلس العلمي وافق على “تحمل كافة التكاليف الكاملة” للمشروع بدلاً من النسبة المقترحة في مذكرة كلية الآداب (بين 60% إلى 75%) بعد أن اتضح له تعذر الطلب إلى جامعة مشيغن (أو أية مؤسسة أخرى) أن تساهم في الجزء الباقي من النفقات نظراً لأن الجيوسي لم تكن على ملاك الجامعة الدائم، وكانت قد اقترحت بسبب كونها مستقلة “أن تقوم جامعة الرياض بدعم المشروع جميعه” أو دفع راتبها على أن تواصل البحث عن مصدر آخر يساهم مالياً في دفع أجور الترجمة وغيرها من تكاليف المشروع.
وثمة أمر آخر جدير بالذكر أن قرار الدعم رائد وفريد في سياق المساعدات العربية التي تلقاها مشروع بروتا لصدوره عن مؤسسة جامعية بدلاً من إحدى وزارات الإعلام والثقافة (في العراق وقطر والإمارات العربية المتحدة) أو مؤسسات أخرى كمؤسسة محمد بن راشد في دبي علما بان تنفيذ القرار تم بمشاركة عدد من الأكاديميين البارزين الأساتذة منصور الحازمي وعزت خطاب وأحمد الضبيب و شكري عياد بالتعاون مع الجيوسي .
لقد كان لهذا الدعم المالي التام أثره الإيجابي في مسيرة “بروتا” لاسيما في السنوات الأولى غير أنه كان – وليس من الغريب أن يكون – مقترناً ببعض الشروط التي أخرت تحقيق الهدف المرتجى كشرط اختيار النصوص التي تتفق “وأيديولوجية البلد وذوقه”، وشرط مساهمة بعض أعضاء هيئة التدريس في اختيار النصوص، وشروط أخرى تتعلق بكيفية صرف الدعم المالي ومواعيده، ومحاولة إلزام جامعة مشيغن أو غيرها من المؤسسات ببعض بنود الدعم بالرغم من أن الجيوسي أصرّت منذ البدء على أنها اختارت التفرّغ لممارسة عملها كفرد مستقل حر دون الانتماء إلى جامعة أو مؤسسة أخرى أي أنّها وحدها مسؤولة عما تقدم أو تقترح من مشاريع. لقد استطاعت الجيوسي، كما نعلم الآن- بعد أربعين عاماً وكما سيتضح في مقالة أخرى – أن تذلل العقبات بفضل ما عرفت به من الإيمان بالمشروع، وحيوية وقدرة أسطورية على الصبر في معاملاتها، ومرونة إزاء بعض القيود أو الشروط أو الاعتبارات* من أجل تحقيق ما تهدف إليه من مشاريع وإن كان يتطلب ذلك بضع سنوات من المثابرة كما هو الحال في مشروعها الأول، وقد استغرق تحقيقه أكثر من ثماني سنوات (منذ 1979 حتى 1988 حين صدور انثولوجية أو مجموعة (أدب الجزيرة العربية) بدلاً من المشروع المقترح أساساً – منتخبات من الأدب العربي الحديث.**
(*) أو كما قالت الجيوسى في إحدى رسائلها (24/1/1980) ”المشروع أهم من كل اعتبارات أخرى”
(**)نشر الكتاب في عام 1988 تحت عنوان The Literature of Modern Arabia ومن المؤسف انه لم يدرج أي عمل للروائي السعودي عبد الرحمن منيف وقيل بعد رحيله انه استبعد بسبب إقامته خارج المملكة العربية السعودية
** **
أ.د. صالح جواد الطعمة - عضو المجلس الإداري/ مشروع بروتا