نادية السالمي
تشظي الزجاج داخل الإطار محتفظًا بتماسكه أكثر إيلامًا من تشظيه ونفوره خارج الإطار، وفي كلتا الحالتين الألم لن يخطئ الصورة، وسينسى عن عمد وإصرار الشظايا في قلب صاحب الصورة. وهذه الأحداث الثابتة في كل مسرحية ترفل خيلاء ولو بشكل ضمني فلا يغرنك تواريها بين إسدال الستارة، أو خلف سكوت مفاجئ، أو تصفيق حار.
اتساع الطريق كان على حساب النص:
من الأدوار المعيبة في هذا الوقت دور الوصاية ودورالموصى عليه، لأنها من الأدوار التي تقبع خارج المنظومة الزمنية، الرقابة تعيش في زمن بعيد سحيق وتستخدم أدوات بائدة، لعرقلة الموصى عليه، والأعجب إصرارها على المضي قدما في البعد السحيق، على الرغم من أنها تعرف أن المنع يعني التمدد والبقاء في الذاكرة ولو ختم على هذه الذاكرة بالشمع الأحمر، فالنص الممنوع سيلقى رواجًا، والمقال المحذوف سيشغل مكانًا في الفكر شاسعًا، والكتاب الممنوع سيتداوله الجميع حتى من لا يقرأ، وكل هذا فقط بضغطة زر.
فماذا تريد الرقابة من المنع؟ المنع فحسب لتقول أنا هنا؟
بين القاتل والمقتول:
الكتَاب مذبوح بين الرقابة والقراصنة الذين يستغلون المنع للاستفادة من الكتَاب دون إذن الناشر والكاتب والاستفادة من عائده، ويبقى الكاتب المتضرر، ففوق حرمانه من طبع كتابه في بلاده، وسهولة تداوله، يُحرم من حقوق مادية تفوت عليه، وهو الذي قد لا يأكل إلا من خلال مايكتب. هذا حجر على إنسان كامل الأهلية يعرضه إلى فقدان الأهلية مع مرور الوقت. الرقابة التي مازالت ترى أن المنع أقصر الطرق وأسهلها للسيطرة على القيم المجتمعية والمحافظة على التعاليم الدينية، على خطأ وهذا يدل على أنها تعاني في فهم المنع وأسبابه، وطريقة علاجه.
النقد يخدم الوطن ولا يضره، وتبادل الرؤى والأطروحات حول مافي كتب التراث وغيرها من خلال معارضتها بكتب أو إقامة الندوات للحديث عنها أو المقالات يخدم الثقافة ويزيح عن كتب التراث الغبار، ويسلط الضوء على الحركة الثقافية، ويُعرّف المتلقي على قيمة الكتاب وخصائصه الجيدة والضئيلة، التي تتوافق مع مجتمعنا وتلك التي لا تتوافق.
بكل أسف لا دور للرقابة إلّا تضييق العبارة، وقتل روح النص، ومن ثم تحويل المبدع إلى مهرج عليه أن يمتهن أي شيء حتى لا يجلب قلق الرقيب، ولا التوجس منه.
لتغير الرقابة أفكارها وبالتالي طريقتها:
قصص الرقابة مع الكتب في العالم العربي مضحكة، وفي كل بلد مايُغْني عن سرد مثل هذه القصص عن الدول المجاورة، ليت الرقابة تنظر إلى الكاتب بعينين لا تبخس في الأهلية حقه، ولا تضيق عيشه. وتوسع مفهومها للفكرة قبل العبارة من خلال المتخصصين الذين هذا هو مجالهم ومضمارهم. وإذا أرادت سحب كتاب من السوق ومنعه عليها أن تفعل هذا بحكم من المحكمة متخصصة في مثل هذه القضايا، لا بقرار اتخذ في لحظة، الأمور يجب أن تؤخذ بشكلها القانوني الصحيح فلا للعبث ولا لتصفية الحسابات. على الرقابة بكل أنماطها أن تنضج فكريًا ليعود هذا النضج على الجميع بالخير، ولتُفسح الكتب والمقالات وتشجّع النقد فيما يُطرح والكاتب يتحمل وحده ما كَتب أمام القانون والمجتمع.
الرقابة بكافة أشكالها:
تحرمك من نصيبك في الحرية بمنعك من قول ماتريد والجهر بما تعتقد أنه الأفضل في خدمة الفكر أو الوطن والناس. وليت الرقابة ماحرمت «فاروق جويدة» من حقه حتى اشتكى:
ماعدت أعبأ بالكلام
فالناس تعرف ما يقال
كل الذي عندي
كلام لا يقال