د. عبدالحق عزوزي
قلنا الأسبوع الماضي أنه في الدراسات المستقبلية ومن حيث أنواع السيناريوهات وأصنافها، يمكن تصنيفها إلى ثلاثة أنواع، كما أجملها الأستاذ ساحلي مبروك:
- السيناريو الاتجاهي أو الخطي: وهو السيناريو الذي يفترض استمرار سيطرة الوضع الحالي على تطور الظاهرة محل الدراسة في المستقبل، وهذا يستلزم استمرار نوعية ونسبة المتغيرات التي تتحكم في الوضع الراهن للظاهرة وهنا يتعلق الأمر بعملية إسقاط خطي (Linear Projection) لاتجاه الظاهرة وصورتها في الحاضر على المستقبل.
- الاتجاه الإصلاحي (التفاؤلي): على خلاف السيناريو الأول الذي ينطلق من فرضية بقاء الأوضاع على حالها، فإن هذا السيناريو يركز على حدوث تغيرات وإصلاحات على الوضعية الحالية للظاهرة موضوع الدراسة، وهاته الإصلاحات الكمية والنوعية قد تحدث كذلك ترتيباً جديداً في أهمية ونوعية المتغيرات المتحكمة في تطور الظاهرة وكل ذلك يؤدي في نهاية المطاف إلى تحقيق تحسن في اتجاه الظاهرة.
- السيناريو التحولي أو الراديكالي (التشاؤمي): يتم الاعتماد في إطار هذا السيناريو على حدوث تحولات راديكالية عميقة في المحيط الداخلي والخارجي للظاهرة، وهي المتغيرات التي تُحدِث تمزقاً أو قطيعة مع المسارات والاتجاهات السابقة للظاهرة، ويقوم هذا السيناريو على التطورات والقفزات الفجائية التي قد تطرأ على بيئة الظاهرة، وفي هذه الحالة تؤخذ بعين الاعتبار المتغيرات قليلة الاحتمال، لكنها عندما تحدث فإنها تغير المسار العام للظاهرة تغييراً جذرياً.
وكتطبيق حي على ذلك، يمكن أن نضع الخمس السنوات الأخيرة 2013-2018 بوصفها السنوات الأساس، وسنة 2030 كسنة الاستشراف ومن ثمّ نتنبأ حول مصير التيارات الدينية-السياسية، ونصوغ السيناريوهات على أساس الاتجاهات المستقبلية الآتية:
- السيناريو الاتجاهي أو الخطي: (أفول التيارات الدينية السياسية): وهو السيناريو الذي يفترض استمرار أفول التيارات الدينية السياسية في المستقبل، وهذا يستلزم نضجاً متزايداً لدى شرائح المجتمع للتأثير على مجريات الأحداث السياسية والاجتماعية، وتعاوناً دولياً مستمراً لإزالة المسببات وما تحت حشائش الإرهاب في ظل العولمة، حيث تتقاسم المجتمعات مخاوف متشابهة ومتباينة، وإعادة ترتيب الخرائط السياسة واستئصال الجمرات المذهبية الموجودة هنا وهناك وإعادة بناء الدول الفاشلة والمنظومة العربية.
- الاتجاه الإصلاحي: هذا السيناريو يركز على حدوث تغيرات وإصلاحات على الوضعية الحالية للظاهرة موضوع الدراسة، وهو توافر الناخبين على قوة الذاكرة وعدم إيصالهم تلك التيارات إلى المجال السياسي العام مرة أخرى، وإحداث ثورة إيديولوجية تجعل الأحزاب السياسية الدينية تتخلى عن مسائل الزج بالدين في السياسة والسياسة في الدين، وتتحول إلى أحزاب محافظة فقط، على شاكلة الأحزاب المحافظة الأوروبية، والاستثمار الفعّال في العنصر البشري لإنقاذ الأجيال انطلاقاً من نوعية منظومة التعليم المدرسي في أوطاننا.
- السيناريو التحولي أو الراديكالي (التشاؤمي): يتم الاعتماد في إطار هذا السيناريو على حدوث تحولات تصب في مصلحة التيارات الدينية الإسلامية بما فيها المتطرفة؛ فإن لم يُجتثَّ الداء من جذوره كالتنظيمات الجهادية (في وجودها وفكرها) فكأنك تقطع فقط جزءاً من جناح الفيروس وهو سريع النماء والتوالد.. وما لم تتفانَ النخبة السياسية في الحكم في تحقيق المصالح، بما في ذلك إقامة العدل والعدالة وتحقيق التنمية، فإننا سنكون أمام هذا السيناريو التشاؤمي. وإقامة العدل والعدالة وتحقيق التنمية هي مفاهيم لمعادلة توازنية مجتمعية واحدة. فأنظمة مثل تونس وليبيا قبل الحراك الاجتماعي الذي بدأ سنة 2010 مثلاً كانت بمثابة أجسام مغلقة على نفسها لا يدخلها الهواء النقي.. ومع قوة ردع المجتمع الرقمي وتكنولوجيا الاتصال الذي هو في تطور يومي فإن الاحتجاجات في هذا السيناريو ستخرج من العالم الرقمي وتكنولوجيا الاتصالات التي حررت المسكوت عنه وستقلب الأوراق وستخلط الأمور وقد ترجع التيارات الدينية السياسة إلى حلبة الصراع السياسي، ونحن نتوقع أن تشهد وسائل التواصل تطورات مذهلة من هنا إلى سنة 2030.
ولا غرو أن هذه السيناريوهات الثلاثة لها مقصدان أساسيان يتجليان أولاً في تنبيه صانع القرار (بل حتى الرأي العام) بطبيعة المشاكل والنتائج التي يمكن أن يترتب عليها عن اختيار مسار معين، تمكنه من تكييف القرارات السياسية وبلورة سياسات عمومية وثانياً قد يؤدي السيناريو إلى تعبئة صانع القرار في التخطيط أو التقويم، ونظن أن السيناريو الثاني في مثالنا وهو السيناريو الإصلاحي، مقنع جدّاً وسيُمكّن من إحداث ثورة فكرية-سياسية في مجتمعاتنا العربية وزرع بذور التنمية والنهضة فيها.