سمر المقرن
سنوات طويلة كنّا نعلق فيها الآمال على جمعية الثقافة والفنون، لتقوم بدورها في تعزيز الفن والثقافة ليتغلغل داخل جذور المجتمع، وقد كُتبت عشرات إن لم تكن مئات المقالات لكاتبات وكتاب في مختلف الصحف، وكان كثير منها ينتقد حالة الرتابة التي تعيشها الجمعية. لكنها اليوم تغيرّت، بدأت تحقق أحلامنا وتواكب طموحاتنا، وتبدأ في تقديم الدور الحقيقي الذي انتظرناه لسنوات عديدة منها. ولأنني من الأقلام التي انتقدتها في السابق، فلا بد من أن أحتفي بها اليوم، وأفرح بما تقدمه، فإطلاقها لمعهد «ثقف» المتخصص في تعليم الفنون بالمملكة هو نقلة حقيقية لزرع بذور الثقافة الفنية وترسيخها في الذهن المجتمعي ليصبح الفن بكل أشكاله واقعاً نعيشه ونتذوقه ونستمتع به، أن يكون الفن أداة للتطور والتنمية كما هي حال المجتمعات المتحضرّة والحضارات القديمة التي كان الفن أداة لقياس تطورها وتقدمها فكرياً واجتماعياً على كافة الأصعدة.
إنني اليوم يجب أن أحتفي بهذا المعهد، الذي سوف يقوم بتأسيس أكاديمي لتقديم أجيال فنية تعمل في التمثيل والموسيقى والفنون التشكيلية وغيرها على أسس علمية بعيداً عن العشوائية والاكتفاء بالموهبة التي لا يمكن وحدها أن تصقل المهارات الفنية ولا تطورها دون تعليم.
أضف إلى ذلك، المبادرات المشرقة التي بدأ بها المعهد أنشطته حيث اتجه إلى فئات مهمة في المجتمع، تتقدم المبادرة أحاسيس إنسانية عالية وحس مسؤول بأن هناك فئة مهمة تقبع داخل السجون لديها مواهب ولديها سلوكيات بحاجة إلى تشذيب وتهذيب، وقيام الفنون بوظيفته التربوية الصحيحة سواء داخل هذه السجون أو حتى في المؤسسات التربوية والتعليمية الأخرى. دخول جمعية الثقافة والفنون إلى السجون هو استحداث أداة صحيحة لتعديل السلوك وإحداث التغيير، ولأن الفن «حياة» فهو قادر على تغيير حياة الناس إلى الأفضل.
من يستشعر الفن، ويمتلئ بجمالياته، وينشغل بإبداعاته، فسوف ينشغل عن كثير من سفاسف الأمور والجوانب السطحية التي تساهم في تبسيط الوعي وجنوحه نحو الخرافة والفانتازيا غير القائمة على أسس علمية ولا مفاهيم منطقية!
نشر الفن وتأهيل الكوادر المقنعة في هذا المجال، أصبح مسؤولية تقف عليها جمعية الثقافة والفنون بصورتها الجديدة التي نراها اليوم تقوم بدورها الذي كنّا نحلم به ونطمح إليه لتقديم القيم الثقافية والفنية وتطوير الحس المجتمعي بالجماليات التي تعمل على تغيير نظرة العين في تذوق الأشياء الجميلة والشعور بالتفاصيل الصغيرة.
من المهم أن نحتفي بهذه النقلة النوعية، وأن نعمل جميعاً لتعزيز هذه الثقافات البنّاءة لمجتمعنا.