د. عبدالرحمن الشلاش
أغلب التنظير الذي يملأ المداد بحبر الوعود الجميلة يختفي تماما بعد وصول كاتبه إلى الكرسي وتحميله المسؤولية التي كان يحلم بها، أو على الأقل يتمناها لأنه كما يردد أو يسر للقريبين منه أنه يملك مفاتيح التطوير بفكره، وأنه ما أن يصل إلى المنصب سيبادر ويشرع فورا في تنفيذ أفكاره التي ستعبر بالمنظمة إلى شواطئ الأمان، وسيغير الكثير من الأمور التي لم يقدر على تغييرها أسلافه ربما لأنهم في نظره لا يملكون الفكر أو القدرة على إحداث التغيير وتلبية طلبات الناس إلى آخر القائمة من الفرضيات النظرية التي لم تصل إلى حد تشخيص الواقع ومعرفة ما فيه من نقاط قوة ونواحي قصور وتحديات ومصاعب ترافق في كثير من مناحي الحياة العمل البشري بوصفه عملا يعتريه القصور مهما بذل من جهود وما دفع من أموال .
التنظير في أحيان يسبح في الخيال، وعادة النظرية تحتاج إلى تطبيق في ظروف مواتية كي تثبت نجاحها أو فشلها، لأن العوامل غير المحسوبة أحيانا تتدخل في التطبيق فتؤثر في العمل وبالتالي تنسف كل خطط الورق وتقلبها رأسا على عقب ليتحول ما كتب إلى مجرد رموز وكلمات تحتاج لمن يعيد مرة أخرى تفسيرها ثم تحليلها وصياغتها بشكل جديد بناء على المعطيات الواقعية. قلة من المنظرين من تتوافق رؤيتهم النظرية مع الواقع لأنهم يتمتعون بفكر استشرافي يتيح لهم رؤية الواقع وكذلك المستقبل بوضوح تام، لأنهم من عينة القادة النادرين، أما بقية المنظرين عندما يصلون إلى الكرسي يصطدمون بالواقع فيتسلل الإحباط إلى نفوسهم لأنهم لم يكونوا يوما ممارسين للأعمال في الميدان ليتعرفوا على نوعية المشكلات والإمكانات الموجودة ونوعية النظام الإداري المطبق.
لا يمكن أن يستوعب أي منظر الواقع ويحيط فيه ثم يكون قادرا على تقديم الحلول لمجرد تأليفه كتاب في المجال المعين فيه، أو حضوره مؤتمر وتقديمه لورقة عمل أو محاضرة لذلك عندما يصل للمنصب لا يمكنه تحقيق ما وعد به للأسباب التي ذكرت. عندما يحاول تحقيق رؤيته في الواقع فلا يستطيع يرضى بالأمر الواقع فيتحول إلى مسير روتيني للعمل وراضي وقانع بما يتوافر من إمكانات، بل إن البعض يستميت من أجل البقاء أطول فترة ممكنة في المنصب فيركز على التنفيذ مع تجنب الأخطاء قدر الإمكان. الأخطاء التي قد تعجل برحيله إلى غير رجعة. القادم من خارج المنظمة أو الدائرة غير المتمرس من داخلها وإن رشح صاحب الخبرة من الداخل فبالتأكيد ستكون النتائج أفضل.