سلمان بن محمد العُمري
لا تزال ثورة المعلومات والاتصالات والتقنية الحديثة تُحدث الكثير من التغيير في حياة المجتمع البشري، ليس في تيسير أمور الخدمات والمعيشة والتواصل الاجتماعي فحسب، بل تعدى ذلك في التأثير على السلوك والقيم، وقبلها الثوابت الدينية؛ والسبب أن المتلقي لم يعد معزولاً عما يجري، ليس فيما حوله، بل في العالم أجمع، وأصبح يرى ويسمع ويقرأ ويتراسل مع الأمم والشعوب في مشارق الأرض ومغاربها، ولم يعد الإنسان هو الذي يبحث عن المعلومة فقد أصبحت هي التي تبحث عنه وتلاحقه من خلال زخم الرسائل اليومية التي تصل إليه عبر مواقع الاتصال؛ فأصبح مطلعًا، وأحيانًا مشاركًا في آراء ومواقف وحوارات فكرية، قد لا يكون له صلة بها من قريب أو بعيد.
وكما أن بعض المسلمين يتلقون ويشاركون في رسائل تخص قضايا لا صلة لهم بها فإنه في المقابل هناك من غير المسلمين من يشارك بقصد أو غير قصد في قضايا إسلامية صرفة، تستوجب ألا يتصدى لها سوى العلماء ومَن في حكمهم، فكيف بعوام الناس وغير المختصين، بل غير المسلمين؟!
ولو أخذنا ما طُرح مؤخرًا حول قضية (الولاية) كأنموذج لما يطرح في قضية تخص المسلمين، وتخص مجتمعات محددة، ومن رصد ما تم بثه عبر شبكة الإنترنت ومواقع التواصل، لرأينا عجبًا ممن شارك في هذا الموضوع. وبلا شك هناك تباين واختلاف في الطرح والمعالجات ذات اليمين وذات الشمال مع ضوء خافت، وصوت يسري بهمس للوسطية والاعتدال بين فريقين، أحدهما يميل للتشديد والتضييق من منطلق سد الذرائع فوق ما أحله الشرع، وصوت منفلت لا يقيم لدين أو خلق وزنًا باسم الحرية المزيفة.
ولستُ بصدد تداول ما جرى بين الفريقين من مداولات وأطروحات بل اتهامات وشتائم لا تليق بأدب الحوار، ولكني استشهدت بهذه القضية لأقول إن هذا الفضاء الواسع في إطاره قد جعلت منه التقنية الحديثة وكأن المتحاورين في قاعة واحدة؛ فالردود تجري في ثوانٍ رغم أن بين المتحاورين آلاف الأميال، وكلٌّ يدلي بدلوه، بعلم أو بغير علم.
القضية والمشكلة في المتلقين حينما ينساقون خلف رأي قرؤوه أو سمعوه، وأخذوا به كمسلَّمات من غير متخصص ولا عالم في مجاله، وكأنه حقيقة وواقع.. وهذا الأمر لا يسري على القضايا الدينية والاجتماعية فحسب، بل رأينا مَن يتحدث في الاقتصاد والطب والتحليل السياسي وهو من غير المتخصصين، كما تحدث أناس في قضايا دينية حُسمت في نصوص شرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية.
وما يُثار عبر الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي من قضايا على المستويات الدولية والإقليمية وحتى المحلية يستلزم التدخل السريع من المؤسسات الشرعية الدينية ومجاميع الإفتاء، وأن تسارع في بيان الرأي الشرعي بعيدًا عن الاجتهادات الشخصية لئلا نفاجَأ بتبني المجتمع قضايا دينية وفكرية واجتماعية، تم فيها استغلال العاطفة والحماس لدى الناس، خاصة الشباب والشابات، وترسيخها في أذهانهم بعيدًا عن صوت الحق والوسطية والاعتدال.