بدأت السياحة بالازدهار منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ومنذ ذلك الوقت استطاع هذا القطاع أن يثبت، عدة مرات، بأنه الأقوى اقتصاديًّا، وثقافيًّا، واجتماعيًّا. وتعتبر السياحة معقدة من حيث العرض والطلب، بسبب الوجهات ذات المنتجات المختلفة؛ وبالتالي ينتج عنها تجارب متنوعة للمسافر والسائح.
من المؤكد أن التراث عنصر أساس في السياحة المعاصرة وأن هذا واقعاً سيستمر. ولكن شرط بقاء هذه العلاقة، بين السياحة والتراث، هو الإدارة الجيدة للمجموعة الواسعة من المواقع التراثية وحمايتها والحفاظ عليها، ومن الضروري مشاركة قطاع السياحة وعملائه في ذلك.
ويعتبر التراث مفتاحاً للسياحة، ويعرف مركز التراث العالمي (التابع لمنظمة يونسكو) التراث بأنه «إرث الماضي وواقع اليوم وما سيتم نقله إلى الأجيال المقبلة».
وحسب منظمة السياحة العالمية- التابعة للأمم المتحدة، فإن مفهوم التراث يشمل: التراث المادي (المتاحف، والمواقع التاريخية والأثرية، والمناظر الطبيعية) أو التراث الثقافي غير المادي الذي يبقى في ذاكرة المجتمع.
إن معظم مواقع التراث العالمي، مدرجة ضمن قائمة الوجهات السياحية، والسبب ببساطة أن هذه الأماكن يقرها المجتمع الدولي من بين الوجهات الأكثر شهرة على وجه الأرض!
ولمواقع التراث العالمي (الثقافي والطبيعي) الدور الهام في تثقيف الجمهور وخاصة عندما يتم تسويقها سياحياً بشكل جيد.
إن السياحة التراثية (والتي تقع تحت مظلة السياحة الثقافية) هي أحد أقدم أنماط السفر والسياحة.
وكل من التراث الثقافي والسياحة يساهمان في نمو القوة الاقتصادية للمجتمع المحلي وتوفير فرص عمل جديدة وتعزيز الثقافات المحلية والقيم. وقد نمت السياحة خلال العقود الماضية لتصبح واحدة من أكثر القطاعات الاجتماعية-الاقتصادية العالمية الرائدة في عصرنا.
وقد أثبت لنا الوقت بأن التراث الثقافي والسياحة يساهمان في القوة الاقتصادية للمجتمع المحلي وفي توفير فرص عمل جديدة وتعزيز القيم والثقافات المحلية. كما أنهما يقدمان للسائح/الزائر الخبرات التاريخية والثقافية والموارد الطبيعية التي تعبر عن قصص حقيقية ذات صلة بالناس من الماضي والحاضر، التي تشرح أيضاً طبيعة الموقع الذي تتم زيارته وتجعله مألوفاً أكثر لزائريه.
في عام 2012م، وللمرة الأولى في التاريخ، أعلنت منظمة السياحة العالمية أن عدد السياح الدوليين قد بلغ مليار سائح/ مسافر في السنة الواحدة. وفي عام 2014م وافقت لجنة التراث العالمي (في منظمة يونسكو) على تسجيل ألف موقع في قائمة التراث العالمي من 161 دولة، وشكلت هذه الأعداد سابقة تاريخية، لم تحدث من قبل، وهي التي استدعت المنظمتين الدوليتين لإيجاد إطار جديد في التعاون بين السياحة والثقافة؛ اعترافاً منهما بالقيمة الدولية للصناعتين.
ولا شك أن هذا العدد الهائل من السياح الدوليين الذي يقابله عدد كبير من مواقع التراث العالمي، له الدور في التفاعل الثقافي بين شعوب العالم ومن ثقافات مختلفة.
هناك دول، مثل الهند، نجحت في جمع الأموال من القطاع الثقافي من أجل المحافظة على قصورها التاريخية وتحويلها إلى فنادق، وهي تجربة ناجحة في السياحة والمحافظة على رأس المال، من قبل الأجيال الحالية والمقبلة.
إن جني الأرباح من البرامج السياحية وإحداث فرق في أفكار ومشاعر السياح/الزوار ليس حصرياً، بل كلاهما بحاجة إلى الاستدامة.
كما أن لمنظمي الرحلات ومشغلي البرامج السياحية دورًا كبيرًا في تطوير المنتجات التي تحدث اختلافا في رفع مستوى التقدير لدى المجتمع المحلي تجاه الموارد المختلفة الموجودة في منطقتهم، والمدعومة من قبل الإنفاق السياحي. بالإضافة إلى رفع مستوى الشعور بالمسؤولية للمحافظة على مواقع الجذب الطبيعية والثقافية التي يعود نفعها الاقتصادي على تلك المناطق وسكانها.
إن السياحة الثقافية يمكن أن تلعب دوراً قياديا في أجندات الأعمال الوطنية والدولية كأداة للنهوض بالثقافة والحفاظ على التراث، بجانب الاستخدام الأمثل للأصول الثقافية من أجل السياحة والفرص الاستثمارية؛ التي ترفع من المستوى المعيشي للسكان المحليين؛ وبالتالي الحد من الفقر ومن الهجرة من المناطق الريفية. عوضاً على أنها تغذي الشعور بالفخر داخل تلك المجتمعات التي تحافظ على مواقعها بشكل مسؤول ومستدام.
** **
بسمة عبدالعزيز الميمان - متخصصة في العلاقات والمنظمات الدولية - مجال السياحة والتراث