«الجزيرة» - محمد المرزوقي:
قال الأمين العام لجائزة الملك فيصل العالمية، الدكتور عبد العزيز السبيل: أشرف بأن أرحب بكم جميعاً باسم صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل رئيس هيئة الجائزة، الذي تابع ودعم وأكد على أهمية عقد (منتدى الجوائز العربية). و(جائزة الملك فيصل) تعتز بأخذ المبادرة للدعوة لعقد المنتدى، الذي يأتي انطلاقاً من قناعتها بأن ثمة ضرورة مأسسة للتقارب والتفاهم والتعاون بين الجوائز العربية، ووضع أسس تجعل جوائزنا تتجه إلى أفق أكثر رحابة، وأكبر تأثيراً، وأصدق تعبيراً في حرصها جميعاً على خدمة ثقافتنا العربية، والثقافة الإنسانية، فلدينا طموح في جائزة الملك فيصل أن يكون هذا اللقاء منتدى دائماً للجوائز العربية، نسعد باستضافة مقره، وعقده بشكل دوري، ليلتئم هنا جمع ثلاث وعشرين جائزة عربية، جاء ذلك خلال الندوتين اللتين أقامتها أمانة جائزة الملك فيصل العالمية بقاعة المحاضرات في مؤسسة الملك فيصل الخيرية بالرياض، مساء أمس الأول.^
وأضاف السبيل: أردنا في جائزة الملك فيصل استثمار هذا الحضور العربي لرموز ثقافية متميزة، في إيجاد حوار ثقافي حول الجوائز، عبر تنظيم ندوتي: الجوائز العربية: الواقع والرؤى المستقبلية والفائزون والأثر. متطلعين إلى حوار يتسم بالشفافية، وعمق الطرح، والثراء المعرفي، فهذا المنتدى وهذه الندوات، والمحاضرات التي تنظم، والمؤتمرات التي تعقد، والترجمات، والكتب التي يتم العمل على إخراجها، كلها تأتي ضمن رسالة جائزة الملك فيصل، المتمثلة بالاحتفاء بالعلم والثقافة وتكريم رموزهما، فالجوائز العربية، تضرب في عمق التاريخ الثقافي العربي، سجلها العصر الجاهلي في أكثر من صورة، فمدائح حسان لملوك الغساسنة وإجزال العطايا له إحدى صورها، وصور أخرى سجلتها خيمة النابغة في سوق عكاظ الذي كان يمنح الشعراء والشواعر ألقاباً تعزز مكانتهم، وتحدد الأفضل من بينهم، فتحول الأمر في الإسلام إلى تقدير رمزي بمستوى عالٍ، تمثل في أن منح المصطفى صلى الله عليه وسلم بردته النبوية لكعب بن زهير بعد إنشاده لقصيدته الشهيرة:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
متيم إثرها لم يفد مكبول
وهذا دون ريب، التقدير الأعلى والجائزة الأسمى، ومع استقرار الخلافة أصبح الشعراء يفدون على الولاة والخلفاء فيمنحونهم خير الأوصاف، وهؤلاء من جانبهم يكافئونهم بالأصفر الرنان، وفي النصف الأول من القرن العشرين، نجد أسلوباً آخر، فقد التقى جمع من الشعراء سنة 1927 في دار الأوبرا المصرية احتفاء بشوقي، وخاطبه حافظ بقوله:
أمير القوافي قد أتيت مبايعاً
وهذي وفود الشرق قد بايعت معي
وأصبحت صفة «أمير الشعراء» خير جائزة معنوية، قطفها أحمد شوقي، ومع تطور العصر، ووسائل التواصل أخذت الجوائز زخرفها وأزينت وتنوعت وأنبتت من كل عطاء بهيج، ولذا فهي تستحق وقفة تأملية من خبراء الجوائز الذين يشاركون في هذا المنتدى ومنكم أعزاؤنا الحضور..
ثم بدأت الندوة الأولى التي أدارها الدكتور علي بن تميم، الأمين العام لجائزة الشيخ زايد للكتاب، مستعرضاً مسيرة الجائزة والأهداف العربية التي تسعى إليها، وما تقوم عليه من معيارية جعلت منها إحدى الجوائز العربية الرائدة في مجالها، لتستهل فالنتينا قسيسية، الرئيس التنفيذي لمؤسسة عبد الحميد شومان، بالأردن، مشاركتها بأهمية الجوائز لتحفيز الثقافة والمبدعين، وما تقدمه من دعم للحركة الثقافية على مستوياتها المختلفة، بدءاً من دعم المبدع المعنوي والمادي، إلى التشجيع على القراءة، والبحث العلمي، وصولاً إلى مواجهة التحديات التي تواجه الحركة الثقافية في الوطن العربي، مشيرة إلى أن الغرب تنبه منذ سنوات إلى أهمية الجوائز، لما تسهم به من تحفيز الحركة الثقافية المتصلة بالجوانب الإبداعية، إضافة إلى ما أسهمت به الجوائز من صناعة (النجوم)، في مجالات ثقافية مختلفة، في المسرح والسينما والتشكيل، موضحة ما قد تتعرض له الجوائز من نقد مرده إلى انتقاد أداء لجان التحكيم، أو ما قد تتعرض له بعض الدورات في هذا الجانب من انتقادات، نظراً لما قد تعكسه قوائم الفائزين فيها مما يوجه إليها من تعم (الشللية)، وغيرها، الأمر الذي اقترحت مع فلنتينا جملة من المقترحات في هذا السياق جاء منها: زيادة التركيز على المجال والتخصص للجان تحكيم الجوائز، الاهتمام بالمعيارية، وتطويرها بما يواكب مجال الجائزة وتخصصها بشكل علمي دقيق، إعادة النظر في بعض المحكمين من حيث المجال، أو التخصص، إلى جانب الاهتمام بالسرية في مراحل تحكيم الجوائز.
أما هنري العويط، المدير العام لمؤسسة الفكر العربي، فقدم أربعة مقترحات، بدأها بتحويل ندوة منتدى جائزة الملك فيصل العالمية إلى لقاء دوري سنوي، وخاصة في ظل ما يشهده العالم العربي من كثرة الجوائز وتنامي فروعها، متخذ من (وحدة الأهداف) للجوائز العربية، منطلقاً رئيساً لإنشاء لقاء دوري لهذه الجوائز، تواجه به التحديات المشتركة التي تواجهها عامة الجوائز العربية، مؤكداً في مقترحه الثاني على أن (مأسسة) الجوائز العربية من خلال هيئة لها، يتطلب إطاراً تنظيمياً، تحت مسمى: اتحاد الجوائز العربية، أو رابطة اتحاد الجوائز العربية، ووضع آليات لهيكلة أعضائها وطريقة تكوينها، مشيراً في مقترحه الثالث، إلى أهمية إعداد دراسة أكاديمية شاملة عن الجوائز العربية، في ظل ما وصلت إليه الجوائز العربية من عدد، وما يتبعها من تداعيات وخاصة من نقد، وإعلام عبر الوسائل التقليدية ومن خلال شبكات التواصل المجتمعي، مشيراً في هذا السياق إلى ما يشوب بعض الجوائز العربية من حالات ما وصفه العويط بالتركيز على الجوائز الأدبية الصرفة، على حساب فنون إبداعية وثقافية أخرى، إضافة إلى ما وصفه بحالات التسرع التي تقع فيها بعض الجوائز أو دوراتها ما يلفت نظر المتابعين إلى وجود أهداف (مضمرة)، ما يشير إلى خلل ما أو ضغط باتجاه معين يكون مدخلاً للنقد والانتقاد، مختتماً آخر مقترحاته بإنشاء منصة إلكترونية موحدة للجوائز العربية، مستعرضاً نجاح تجربة مؤسسة الفكر العربي في هذا الجانب.
كما استعرض أسعد عبدالرحمن، الأمين العام لجوائز فلسطين الثقافية، أهمية الجوائز الأدبية والثقافية، ومدى انتشارها على المستوى العربي والصعيد العالمي ما يؤكد عبر تنوعها أهميتها في تعزيز ثقافات الشعوب والارتقاء بآدابها، مقترحاً عديداً من الرؤى التي تسهم في تعزيز مسيرتها المستقبلية، والنهوض بمستوى الجوائز العربية في مختلف مجالاتها، مقترحاً عدداً من المقترحات التي ذكر منها: الإيمان في أن الجوائز العربية يدعم بعضها بعضاً، ويعزز مسارات الثقافة العربية في مختلف فنونها، التأكيد على (مأسسة) الجوائز العربية، وذلك من خلال التأسيس لهيئة مسؤولة عن الجوائز العربية، سواء كانت منتحبة، أو مقترحة بالاتفاق، لتكون هيئة قادرة على تطوير الجوائز العربية، وجعل الجزائز داعماً للحركة الثقافية، ومدخلاً مهماً لترابطنا في العالم العربي إلى جانب الروابط الدينية والسياسية والمجتمعية، مؤكداً على نجاح الثقافة العربية في لملمت الصدوع العربية إن وثق أهلها بها على أن تكون بديلاً عملياً ولو مؤقتاً، مختتماً حديثه بالتأكيد على أهمية الوعي السياسي والمجتمع الذي يعزز قيمة الجوائز ويستثمر قوتها الناعمة في التعاطي مع التحولات الثقافية، والتأكيد على الحضور الشبكي بشكل عميق يزيد من التعريف بالجوائز بعضها ببعض، والتعريف بها بالوسائل والوسائط التقنية المختلفة عربياً وعالمياً.
أما الندوة الثانية، فقد انطلقت تحت عنوان: «الجوائز العربية: الفائزون والأثر»، التي أدارها: مراد القادري أمين عام جائزة الأركانه العالمية للشعر، من المغرب، حيث استهلت الروائية جوخة الحارثية، حديثها ضمن محور الندوة، واصفة الكتابة بأنها أخرجتها من عالم يسيطر عليها إلى عالم تتحكم فيه بالكلمة، مستعرضة مشوارها الروائي مع الكلمة الساردة، مع عشرة مؤلفات، كانت الغربة شريكاً ثالثاً لهما، واصفة فوزها بجائزة السلطان قابوس عن روايتها (رانينجا)، التي وصفتها الحارثية بأنه محطة انتقالية في رؤيتها إلى الكتابة بوصفها رغبة وحاجة، مشيرة إلى أن الكتاب عالم وحياة مع شخصيات كانت تبكي لبكائها، وتفرح لفرحها، مؤكدة أن الفوز بالجائزة يعني أكثر من التشريف، وأعمق ما يكون معاني التكريم.
بينما تحدث سعيد المصري رئيس المجلس الأعلى للثقافة في مصر، عن الجوائز وأهميتها من الجانب المؤسسي متخذاً من مضر أنموذجاً لعرضه المرئي الذي استعرض فيه جملة من المحاور الرئيسة، التي جاء من ضمنها: أثر الجوائز على المستوى المؤسسي (المانح)، أثر الجوائز على المستوى الفردي (الممنوح)، منتقلاً إلى تأثير الجوائز على المستوى الإبداعي الذي يتضمن المجال العلمي للجائزة، والتخصص في مجال الجائزة، إلى جانب مستويات الإبداع وتسويقه بوصفه رأسمال على مستوى القيم المعنوية الثقافية، وعلى مستوى رأس المال المادي، عبر حركة التأليف والنشر والتوزيع والتسويق، محذراً من دخول بعض الجوائز في دائرة تشجيعها على (النمط التقليدي)، من خلال التناسخ الذي يلاحظ على عديد من الجوائز العربية، محذراً من جانب آخر من تقوقع بعض الجوائز على نفسها، من خلال تقوقعها الجغرافي على منح الجائزة لمواطنيها، رغم أحقية كل دولة وحاجتها لجوائز من هذه الفئة، أو من خلال تقوقع المعايير، والمضي عليها دون تحديث وتطوير يواكب الحركة الثقافية.
من جانب آخر تحدث الشاعر شوقي بزيع، في تجربته عبر نص سردي بأسلوب أدبي، اعتمد فيه على تقديم مسيرته الشعرية من خلال الجوائز التي حصل عليها عبر شرفات جاء في مقدمتها: المرأة، الوطن، الزمن، واصفاً كل جائزة حصل عليها بأنها تمثل مرحلة من المراحل التي تسلق إليها إلى القمة، بين القمم الأعلى، مشيراً في نصه إلى أن الجائزة قيمة للممنوح، وقيمة أيضاً للمانح، منبهاً إلى الدور المناط بلجان التحكيم إذ هم أفراد، ينيبون عن ملايين القراء، مؤكداً أن القيمة العليا في مسيرة أي مبدع، تتمثل في رسوخه في أذهان قرائه.
أما الروائي يوسف المحيميد، فجاءت مشاركته بطريقة سيرية مع الكتاب في نص أدبي، صور من خلاله فوز روايته (الحمام لا يطير في بريدة)، بجائزة أبي القاسم الشابي، من بين 130 رواية عربية، ما انعكس ذلك على نفسه ببعض الطمأنينة والثقة التي يصفها المحيميد بأنها سرعان ما تبخرت أمام أعمال روائية أخرى، ليعود إلى حالات من قلق الكتابة، منذ الوهلة الأولى التي يصور فيها إغلاق الأبواب دون كل شيء إلا الكتابة التي تحضر معها كائنات الكاتب وشخصياته، مستعرضاً الانطباع ذاته عند فوز روايته المترجمة (فخاخ الرائحة)، الأمر الذي شكل قناعات لديه بعد فوزه بجائزتين، أن الجوائز تمنح العمل الفائز القراءة والانتشار، والعودة إلى مزيد من قلق الكتابة وصراع عوالمها المختلفة.
وقد عقد المشاركون في الندوتين يوم أمس، اجتماعاً مغلقاً لمسؤولي الجوائز، لمناقشة المعايير وآليات عمل الجوائز العربية والقواسم المشتركة بينها وأوجه الاختلاف، بهدف تبادل الخبرات والتجارب وإيجاد سبل لمواجهة التحديات، حيث أوضح الدكتور عبد العزيز السبيل، بأن الاجتماع، بعد مناقشات مستفيضة، خرج بعدد من التوصيات أبرزها: الموافقة على تأسيس منتدى الجوائز العربية ويكون مقره في جائزة الملك فيصل، وأن تكون الجوائز الحاضرة للاجتماع هي الأعضاء المؤسسة للمنتدى وأن يكون الاجتماع دورياً. كما أوصى المنتدى بتكوين مجلس تنفيذي، وتأسيس بوابة إلكترونية للجوائز العربية، والعمل على تبادل المعلومات بين الجوائز التي تعزز العمل الثقافي العربي المشترك وتحفيز المبدعين والمفكرين من أبناء الأمة العربية، معرباً السبيل، في ختام تصريحه عن شكره وتقديره للسيدات والسادة مسؤولي الجوائز العربية على استجابتهم وتفاعلهم الإيجابي والخروج بنتائج مهمة، ستنعكس بشكل إيجابي على مسيرة الجوائز العربية.