د.محمد بن عبدالرحمن البشر
بعد أن وقع ما وقع في الأهواز، وقف العالم جميعاً ضد الإرهاب، وأصدر مجلس الأمن قرار بذلك، وتمت إدانته إدانة جماعية، لكن إيران لم تنظر مكمن الداء، وموقع الدلاء، فأخذت في إطلاق الإتهامات جزافاً هنا وهناك، محاولة رمي الداء على الآخرين، وكأنها لا تعرف أن الداء في جسدها ينخر، وعلى نفسها جنت براقش، وأن عليها أن تنظر إلى داخل إيران، وما يعيشه الشعب الإيراني من مصائب جمة بدلاً من ملامة الآخرين، وهي تعرف الداء والدواء لكن حكومتها تصم الآذان، وتغمض العين، وتبيع كلاماً لا صحة له على شعبها البائس، وتقول من القول ما تقول مع علمها أن الآخرين لا يصدقونها، لكنها تأمل أن يصدقها فئة من الشعب، قد استحوذت الإيدولوجيا والدعاية المضللة على عقولهم، فسلبت ألبابهم.
فئة من الشعب تعرف الحقيقة، وتنظر من نافدة يمكنها من خلالها التعبير عما تعرفه من حقائق حكام إيران، ومسيرتهم الطويلة غير النافعة للوطن والشعب.
حكومة إيران تعرف أن الشعب الإيراني يواجه مشاكل جمة، وتعرف أن تلك الفئة العالمة ببواطن الأمور تترقب ما يجري وكما المثل العربي يقول: (إن المعارف في أهل النهى ذمم). فإن لم يتبين الداء، فإن هذا لا يعني أن الداء قد توقف عن الانتشار في الجسد، لا سيما إذا كان الجسد ضعيفاً مرهقاً يئن تحت وطأة نقص كثير في متطلباته، مسكين هذا الجسد الإيراني الذي تقوده عقل لا يأذن له باستشفاء، ولا يطعمه طيب الدواء، جسد متألم صبور يتحمل وزر الأخطاء، وألم الجروح، وقلة الماء والطعام، ولا حول له ولا قوة له، لأن العقل غير الرشيد لا يهديه إلى الرأي السديد.
عندما حدث حادث الأهواز، فيبدو أنه قد ورد إلى عقول الحكام الإيرانيين رسالة، ليبحثوا عمن يعلقون مسؤوليتها عليه، والنأي بتقصيرهم عن ذلك الحدث، ومن البدهي لو أن دجاجة في إيران سقطت من إحدى الجدر، لأن لصقوا ذلك بدول بعينها.
إيران فتحت أبواقها، وأبواق أعوانها تحميل أسباب أحداث الأهواز إلى هذه الدولة أو تلك، وتزعم أن لديها خطوطاً حمراء قد صنعتها لا يمكن لأحد تجاوزها، وأعجب من دولة تتحدث عن خطوط حمراء، وهي قد تجاوزت جميع الخطوط في الداخل والخارج، في الوقت الذي لم يثبت شيء إطلاقاً من ادعاءات إيران. الشعب الأهوازي، لديه مطالبات مثله مثل الشعوب الإيرانية الأخرى، وكثيراً ما عبر عن تلك المطالب من خلال المظاهرات، والتصريحات والوسائل السلمية الأخرى، ولم يجد أذاناً صاغية، ويبدو أنه سيواصل بالطرق السلمية إظهار عدم رضاه عن حكومة ونهج قبع على جسدها سنين عديدة، ولا شك أن الشعوب الإيرانية الأخرى ستعبر بالطرق السلمية عن عدم رضاها عن حكامهم.
مطلب الشعوب في العالم أن تعيش في أمن، وأن تجد لديها لقمة العيش تكفيها لتتنفس بسلام، والشعب الإيراني لديه ذلك الطموح، لكن حكام إيران لم يركبوا الطريق الموصل إلى تلك الغاية فأصبح الكثير من الشعب الإيراني يلهث لجلب لقمة العيش دون جدوى، ويطالب بنشر السلام وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وصنع علاقات جيدة مع العالم أجمع بما فيها دول المنطقة، لكن الحكام يأبون ذلك، لأسباب كثيرة، أهمها أن بقاءهم على سلطة الحكم مرتبط بذلك النهج الذي يتجهونه، ومن الواضح أن ذلك تصور غير صحيح، لأنه يمكنهم تغيير سلوكهم تغييراً جذرياً، والعيش بسلام، مع بقائهم في السلطة، لكن على أولئك الحكام نزع شهوة التمدد في المنطقة والمهيمنة على عقولهم، ليعيشوا في أمن ورخاء، فالأرض الإيرانية معطاءة لو وجد من يديرها إدارة حسنة.
يقول البحتري:
إذا ما الجرح زم على فساد
تبين فيه تفريط الطبيب
أحداث الأهواز، أكدت للعالم أن حكومة إيران كما هي عادتها تحاول تعليق ما يحدث داخل حدودها على الآخرين، وكأن ليس لديها ثغرات هائلة في سياستها وإدارتها لشؤون الدولة، فاليوم يقرب الريال الإيراني من مائتي ألف بالنسبة للدولار وهذا مؤشر تضخم كبير، وضعف في الاقتصاد الإيراني الكلي، نتيجة سياسة حكامها الخاطئة.