د. حمزة السالم
على يد أحد دعاة الفوضى السياسية اغتيل وليام ماكينلي، الرئيس الأمريكي الخامس والعشرين، بعد ستة أشهر من إعادة انتخابه؛ لتؤول الرئاسة لثيودور روزفلت «تي آر» 42 عامًا، في سبتمبر 1901؛ ليصبح أصغر رئيس، وأصغر مَن يغادر البيت الأبيض حيًّا.
عورض ترشيحه لمنصب نائب الرئيس بقوة وإجماع بين المستشارين؛ فهو «مجرد راعي بقر لعين، لا يمكن التحكم به»، ولكن كان الشارع معجبًا به للثمالة؛ فرُشح، خاصة أن منصب نائب الرئيس شكلي مكتبي؛ كان يعد مقبرة السياسيين.
حرض على الثورات في أمريكا الجنوبية، وفاوض واشترى حقوق قناة بنما، وحفر القناة بدون إذن الكونجرس، وأجاب من نصحه بعدم فعل ذلك «بدلاً من نقاش حفر القناة من عدمه، الآن سينشغل الكونجرس بي، بينما أنا أبني القناة».
كانت لديه قدرة نادرة على الإنجاز.. لقَّبوه «قطار بخاري داخل بنطلون».
استلم الرئاسة مع بداية قرن جديد، والنهضة الصناعية قد تصاعدت، فخط لها الطريق الحديث، وضبط الملاك الأنانيين؛ فقد كان لديه حقد على الأرستقراطيين الذين لا يحملون المسؤولية، رغم ثرائه العريض هو وعائلته.
فقد كانت الصناعة والتجارة محتكرة من قليل جدًّا، ودأب الملاك على تدمير أي منافس، وكانوا يصرحون بعدم المبالاة بالعمال، فمثلاً: مورجان ستالي نيابة عن الملاك قال علانية «لا ندين للعامة بشيء».
«تي آر» أول مَن وضع العامل كشريك، وأول من فاوض بين عمال وملاك، وأول من هدد بالتأميم واستخدام الجيش لإدارة والاستحواذ على الممتلكات العامة.
لم يكن هناك أي حق للعمال في إجازة أو ساعات عمل محددة، ولم تتعدل الأجور لعشرين عامًا، ولم يكن هناك عمر أدنى للعمالة؛ فمنع استخدام الأطفال الذين ملؤوا المصانع والمناجم وهم ذوو عشر سنين.
وعندما دخل عمال الفحم في إضراب لم يأبه بهم الملاك، ولا بالمنازل التي ستنقطع عنها التدفئة، وعلق رئيس شركة الفحم جورج إف بالير «إن إدارة الفحم ورجال التعدين يجب أن لا تترك للعمالة الفوضوية بل للصلحاء العقلاء منا نحن الملاك للعقارات والأموال».
كان «تي آر» يواجه الرأسمالية في أصل نشأتها، وصفائها. عقليته الاقتصادية كانت منضبطة صحيحة؛ فقد كان يؤمن بتركز الاقتصاد، لكن يؤمن بأنه يجب للحكومة أن يكون لديها القوة لضبطه. لكن لم تكن له صلاحية مطلقًا آنذاك؛ فقام بالدعوة في الولايات ناشدًا أصوات تأييد التشريعات، حتى أمضى قانون هيبورن، الذي لأول مرة في تاريخ أمريكا أعطى حق التسعير والرقابة لجهة حكومية فدرالية.
أمر وزارة العدل برفع قضية احتكار ضد إحدى شركات مورجان المهمة «نورثن سيكرتيز»، التي كانت تملك القطارات من الشرق للغرب.
طلب مورجان من «تي آر» حل القضية عن طريق التفاهم بين المستشارين، فأجابه «لا أريد حلها بل إيقاف الشركة تمامًا». فسأله مورجان: «هل لك نية بأن تهاجم إحدى تجاراتي مستقبلاً؟». أجابه تي آر: «ما لم يأتِ منها خطأ، فلا».
وقد دعمت المحكمة الدستورية مورجان، فما عاد واجهه تي آر بعدها، لكنه استخدم بعد ذلك قانون شيرمان لمنع الاحتكار؛ فهاجم به 40 حالة.
وقد علق مورجان في نقاش بين الملاك حول مصيبة تي آر، فقال: «لقد اشترينا ابن... ولكنه أبى أن يظل (مباعًا)». وللحديث بقية.