د. أحمد الفراج
كم هو ممتع أن تتابع استجواب مجلس الشيوخ الأمريكي لمرشحي الرئيس لتسنّم مناصب مهمة، خصوصاً مرشحي المحكمة العليا، وذلك لسببين، أولهما، أن المحكمة العليا هي أحد ثلاث جهات تحكم الإمبراطورية الأمريكية، بجانب الرئيس والكونجرس بمجلسيه، النواب والشيوخ، وثانيهما، أن عضوية المحكمة تستمر مدى الحياة، وبالتالي فإن الاستجواب يكون في غاية القسوة، فما بالك اليوم، وأمريكا تعيش انقساماً حاداً، وانحيازاً غير مسبوق، وصراعاً حزبياً محموماً، بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ومما زاد الإثارة في حفلة استجواب مرشح ترمب للمحكمة العليا، القاضي بريت كافاناف، أنه محافظ، ما يعني أنه لو وافق مجلس الشيوخ على تعيينه، فستصبح أغلبية قضاة المحكمة العليا محافظة، أي خمسة قضاة محافظين، في مواجهة أربعة معتدلين أو ليبراليين.
يستميت الديمقراطيون، ومعهم المعتدلون واليسار، على عرقلة مرشح ترمب، لأن وجود أغلبية محافظة في المحكمة العليا، تعني صدور تشريعات محافظة، أو حتى نقض تشريعات معتدلة سابقة، قاتل الليبراليون لإقرارها، مثل التشريع المتعلِّق بالإجهاض، على سبيل المثال، وقد استجوبت اللجنة القانونية بمجلس الشيوخ مرشح ترمب، وحدّدت موعداً للتصويت، الذي كان يسير لصالحه، لأن أغلبية أعضاء اللجنة جمهوريون، ثم حدثت المفاجأة، التي زلزلت ترمب، ووراءه اليمين المحافظ، إذ ادّعت سيدة أن المرشح تحرَّش بها، وبعد حرب كلامية شرسة، بين ترمب والجمهوريين من جهة، والديمقراطيين من جهة أخرى، تقرَّر أن تدلي السيدة بشهادتها، ويتم استجوابها أمام لجنة مجلس الشيوخ، وقد كانت شهادتها مقنعة، وثبتت أمام الأسئلة الصعبة، ثم جاء دور المرشح أمام ذات اللجنة، ليدافع عن نفسه، فماذا حدث؟!
أدلى المرشح بشهادته، وكان غاضباً جداً، وبكى وصرخ كثيراً، وتهجَّم على أعضاء اللجنة الديمقراطيين، واتهمهم بالانحياز، بل إنه أساء لأحد الأعضاء، عندما تم سؤاله عن مشكلته مع الكحول، واستفزه السؤال، فليس سهلاً على قاض فيدرالي أن يتم اتهامه بتعاطي الكحول والتحرّش، وكانت قراءتي لشخصية هذا المرشح، أنه نرجسي ومغرور حاد الطباع، وربما أن ترمب شجّعه على ذلك، إذ إن ترمب صرَّح بأنه سيتفرَّغ لمتابعة الاستجواب، الذي نقلته كل وسائل الإعلام الكبرى على الهواء، ثم صوَّتت اللجنة على تعيينه، لأن أغلبيتها جمهورية، ولكن عضو اللجنة الجمهوري عن ولاية اريزونا، جيف فليك، أعلن أنه لن يصوِّت للقاضي، عندما يطرح الموضوع على كامل أعضاء مجلس الشيوخ، ما لم يأمر ترمب مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) بالتحقيق في أمر التحرّش، ما جعل ترمب يرضح ويأمر جهاز الـFBI بالتحقيق، وسنواصل المتابعة ونواصل الحديث في المقال القادم!