أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: سميتها هذه الذكرى (ذكرى التوحيد)؛ وهي قصيدة أهديتها لصاحب السمو الملكي الأمير سطام بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة الرياض رحمه الله تعالى منذ اثني عشر عاما تقريبا؛ وهي من اللحن الشيباني؛ وهذا نصها:
وانا وجدي عزيز ما بذلته في نعيم العود
ولا همي على ردفه وحمرة تلهب اوجانه
وانا وجدي على صقر الجزيزة مزبن المضهود
ترى خير الدلايل همته وآثار فرسانه
قال أبو عبدالرحمن: في الأمثال العامية: (خير الدلايل جرة الفرسان).. يضرب مثلا لأقوى الأدلة؛ والمزبن الملجأ، و المضهود المضطهد ظلما؛ ولا اضطهاد إلا بغير حق.. وهذا اللحن منسوبٌ إلى قبيلة الشيابين في عالية نجد، وغيرها من القبائل في تلك الأصقاع، ثم عرف أخيرا بالحن اللويحاني نسبة إلى الشاعر عبدالله اللويحان؛ لأنه أبدع في إلقائه لا في إبداعه مع طول نفس ولا سيما في شبابه.. وعند قبائل عالية نجد ألحانٌ أطول نفسا، وقد تبنى تلك الألحان عبدالله الدويرج، وسليمان بن شريم، وأحمد الناصر الشايع رحمهم الله تعالى، لما منحهمم الله سبحانه وتعالى من طول نفس، وكانوا يجعلون خلال الشطر قوافي؛ فكانوا يقفون عند كل قافية بنفس طويل متموج (عرضا وطولا) جميل الأداإ، وقد قدمت، ولديوان عبدالله الدويرج مع بعض الاستدراك والإضافة، ولقد توفي أحمد الناصر عن مئة عام ونيف، ولم يفقد شيئا من حواسه؛ وكان ملازما صاحب السمو الملكي محمد بن عبدالعزيز آل سعود رحمهم الله تعالى، وبعد وفاته لم يلتحق أحمد الناصر بأحد وفاأ لولي نعمته بعدالله سبحانه وتعالى، وأما عبداللويحان فقد تجاوز تسعين عاما، والتحق بعدد من أصحاب السمو الملكي.. ثم قلت بعد ذلك:
مراكيب تبي جدوى نواله دايم مورود
مناخ العز والنوماس في قصره وصيوانه
ومندوب يبي شوره وموضي فكره المعهود
وعقبه ثالث مستفزع ضدوه عدوانه
قال أبو عبدالرحمن: (موضي فكره) تعني (إضاءة فكره)؛ وذلك من إضافة الموصوف إلى الصفة.. أي (فكره المضيئ)؛ إحتفاأ بالوصف؛ وبعد ذلك مباشرة:
حياته نصر وجهاد وبيرق عزنا معقود
حياة للوطن شيد بناه وشيد اركانه
يقولون العرب ما مات من خلف حرار حيود
ولا يطفي سنا ملك على التوحيد بنيانه
وهم صفة قلم متساوية والا كنظم عقود
وهو بين شعيع الدر ياقوته ومرجانه
قال أبو عبدالرحمن: (صفة قلم) مثلٌ للتساوي في المواهب والصفات.
جزيرتنا مقر الدين ما يمشي بها منقود
منزهها كهول السمت مع شيبه وشبانه
قال أبو عبدالرحمن: (المنقود) ما ينتقد من ضعف الدين، وفساد الأخلاق.. وكهول السمت أشياخ من العامة والوجهاإ وطلبة العلم يستسقى بهم المطر لورعهم؛ وكل حال تحول، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
حميدين السجايا والنقيصة مخطر بالزود
يصونون الشريعه والنصف ما اختل ميزانه
قال أبو عبدالرحمن: (مخطر بالزود): أي منذرٌ بالارتفاع على أقرانه؛ وهذا مديحٌ صيغته تخيل بالذم؛ فمن ظنت به العين أنه قاصرٌ: تظهر قدراته في الأزمات؛ فلا نقيصة إذن، والنصف العدل.
نفوا عنها خبيث الشرك واصبح ربنا المعبود
محمد مع محمد قرروا للدين برهانه
قال أبو عبدالرحمن: أعني بالمحمدين الإمام محمد بن سعود، والشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمهما الله تعالى؛ وتقريرهم إحياٌ لما هو مقررٌ، ثم طمست معالمه عند الأكثرية حينا من الدهر.
نجوم تهدي الساري وقمرا نورها مشهود
سلايلهم ولاة امر عظيم عالي شانه
قال أبو عبدالرحمن: أردت الجمع بين معنيي العلو والنور.
وكالبروق شعبكم شاكر يحيا بحس رعود
على انه راغد ما بين غدرانه وريضانه
قال أبو عبدالرحمن: في المثل العربي (أشكر من بروقة) وعند العامة: (مثل البروق ينبت على الرعد)، وهو كناية عن القنوع.
خيور الدار للجيران ما نبغي وراهم فود
ولا نشبع وعيلات تحد الدار جيعانه
قال أبو عبدالرحمن: المراد بالجيران الأشقاء من بلادنا العربية الإسلامية، والفود عند العامة الفائدة، والجزاأ.. أي لا نريد منهم جزاأ.
ونصبر لو جزانا حاكم بامره شنا وجحود
يحسبنا حضيري مدي قرقع له شنانه
قال أبو عبدالرحمن: (شنا): يستعملها العامة للشماتة والشنآن بمعنى البغضاإ، وكلا المعنيين مرادٌ ههنا؛ وهذا يصدق على زعماأ كانوا فبانوا يحتجنون المال على أنه مال الشعب، ولا يظهرون حقوقه زكاة وصدقة وفي النوائب؛ ولهذا تتألق الشعارات، ويتفاقم أمر الفقر.. وفي المثل العامي: (حضيري مدي) أي يؤدي الحق وغير الحق عن مذلة؛ وهذا يضرب مثلا للضعيف.. و(يحسبنا): يظن أننا.
وكرسي الحكم عنده جمل كروة يسوقه عود
ولا همه شقا شعب سعى والنوم باعيانه
قال أبو عبدالرحمن: في المثل العامي (يهوش والنوم في عيونه) يضرب مثلا للمكافح على الرغم من إعيائه.. وفي المثل العامي: (الجمل كروي والمحجان من شجره).. يضرب مثلا لمن لا يبالي بمال غيره.. وقال (بشر بن أبي خازم) رحمه الله تعالى:
وجدنا في كتاب بني تميم
أحق الخيل بالركض المعار
ثم قلت:
نبي نصبر وشيمتنا قديمة من طباع جدود
ولا ناخذ بذنبه شعب مسلم حاكمه خانه
فلا منه زمى واصبح طريق الملزمة مسدود
نبي نضرب على الكايد ونوفي العق ديانه
قال أبو عبدالرحمن: زمى: ارتفع، ويوصف بذلك الرجل المتغطرس الظلوم، وكثيرا ما كان يردد الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى (وان زمى العايل زمينا) في لحن من ألحان العرضة، وهي من باب المشاكلة في البلاغة العربية كقوله سبحانه وتعالى: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} (40) سورة الشورى؛ فالسيئة الأولى عدوانٌ، والسيئة الثانية جزاأٌ عادل، و(الملزمة) حفظ المواثيق والحقوق والشيم اللازمة، والضرب على الكايد كنايةٌ عن بلوغ الغاية في الانتصاف، و(الكايد) الكؤود الصعب؛ فتذلله عناية الله سبحانه وتعالى.. و(نوفي العق ديانة) بمعنى نجزيه جناية عقوقه، واستعرت هذا من قول العامة إذا رأوا غريمهم: (جلبك الجلاب واستافى الثمن).
وكثر الدلبحة يوجع ولو ان الحمل مسنود
ولا يقدر يدلبح من تعود طبع جدانه
قال أبو عبدالرحمن: (كثر الدلبحة) كنايةٌ عن كثرة التغاضي والصفح، و(الدلبحة) تعني الانحناأ، ولا تعني تلك الكناية إلا العجز؛ أخذا من قولهم عن الصاعقة، والرمية، وكلمة الهجاإ، والكلمة العوجاإ: (دلبح لها وخلها تمر)؛ أي لتمر من فوقك وتسلم منها؛ ويقولون أيضا: (طحطح لها)؛ وذلك حكاية صوت (طاح)، وهي بمعنى الدلبحة، ونتيجة المعنى أن تعلو على من استعلى عليك.. ومعنى (سند الحمل): ( الجمل مسنود).. أي أن يمشي عن يمين الدابة ويسارها من يرفعان الحمل قليلا عن ظهرها، أو يتحملانه بمنكبيهما حتى لا يكون ثقل الحمل على ظهر الدابة؛ وفي المثل العامي (كثر الدلبحة يقطع الظهر).
وصلاة الله على اللي له مقام بالحشر محمود
وهو صفوة عباده حطم الطاغوت واوثانه
أمين طاهر ملهم وبعثه كمل المقصود
شرح صدره وقلبه عامر بالحق و ايقانه
دلايل عظم شانه بينه من يوم هو ممهود
ظهر نوره وكسرى خايف واهتز ايوانه
وبيت الله كفاه الله عبدا ابرهه وجنود
على مقدم نبي الله بفضل منه واحسانه
سرى للمسجد الاقصى ورقي لسما بصعود
وحفظت بالشهب مايسترق للسمع شيطانه
ترى حب الصحابة واجب عنه الفتى منشود
وهل بيته وتابعهم حماة الشرع واعوانه
صلاة الله عليهم عد ما هبت هبوب النود
وتسليمه وتكريمه ورضوانه وغفرانه
قال أبو عبدالرحمن: (النود) الرياح؛ وهي عامية، ومجازها من الفصحى أن الرياح تحرك ما هبت عليه وتتمايل به، وفي الفصحى (ناد) بمعنى تمايل من النعاس، وتحرك الغصن.
قال أبو عبدالرحمن: وهذه أبياتٌ أخرى في الموضوع نفسه؛ وفيها زيادة فوائد:
ابى اذكر بالفخر عبدالعزيز مجسر الذلان
جمعهم لين خلى للشريعة جند واعوان
ولأجل إقامة الوزن ينطق (العزيز) هكذا (عبدا العزيز).
ظهر صقر الجزيرة والبلد في حالة الحرمان
يحيط بها سياج للجهل مظلم وعكنان
أقول انه لنا رحمة عطية ربنا المنان
وهو نقمة على اللي ضيعوا لحقوق الاوطان
ترى حق الوطن دين ودولة تعدل الميزان
وعيشه راغده يشبع بها العاجز مع العاني
وتامن بالرعي شاة المقالي هجمة السرحان
وسمعة ترهب القاصي ويطرب رجعها الداني
وأنا والله ما اذم القوم من يعرب ومن عدنان
ولكن ضامني دم الفوارس راح هميان
ترى دم العروبة غالي والتضحية باثمان
بعز للوطن طاعة تجزى بالاحسان
وهم اهل الوفا والجود والنجدة وزين لسان
وهم في ذروة التاريخ لاهل المجد عنوان
سواليف النشامى هي تورايخ الثنا والشان
سواليف يفوح بذكرها عطر وريحان
يعدون الزبيدي هو وعنتر من قديم ازمان
وابن مامة فدى دون الخوي ومات عطشان
وحاتم والسمول هو وحاجب بالعهد ما خان
وقيس المنقري حلم وقيس الراي رجحان
أي أن رأيه راجحٌ بين الآراإ.
رجال شيدوا مجد العروبة ذكرهم رنان
ولا يلحق مفاخرهم بعزمه كل رطان
إلى عدوا نعد اللي على درب لهم لا هان
مضوا جيل بعد جيل فخرهم ورث جدان
ابن هندي محمد والشجاع معفر الفرسان
وابن هادي وابن ضيغم وابن ملحم وراكان
فلا هلت مخابيل الوسم واستبشر الرعيان
وخنت وانوجت ارض الوطا ربلة وحوذان
فلا يطمع برعيه شاوي البدوان والحضران
يعقلون النضا ترعى الحيا غبن بالاعيان
مضى فصل الربيع ولا بقى رطب ولا ريضان
بقي رعي الهبايب يابس وحتات عيدان
وحلوات اللبن تاكل وبرها وللرمي نيشان
بنوا منها المحاجي من عقب عز وصفطان
مناويخ جنت عق القرايب والشقا وامحان
ألا يالله لا تجعل لها يالرب رجعان
عطيبين الضرايب ما يدوس حماهم الشجعان
حسايف كيف فرق جمعهم ناهب وديان
احلي بالمثل ريقي وفعل الغانمين يبان
ولو شفي على تعدادهم ما هوب بامكاني
وهذا قدح فكري والسموحة كانني غلطان
وهجسي ان قولي بالوكايد ثبت برهان
قال أبو عبدالرحمن: الزبيدي عمرو بن معدي كرب الفارس المشهور، وكعب بن مامة مشهورة قصته في الإيثار، وقيس بن عاصم المنقري التميمي؛ وهو قيس الحلم، وقيس بن زهير العبسي هو قيس الرأي، وحاجب بن زرارة التميمي صاحب القوس معروفة قصته، ومعفر الفرسان ضيف الله ابن حميد، وهو ضيف الله العفار، وتعذرني الأقوام التي لم أعدد رجالها؛ لأن تحلية الريق تكون بذكر القليل.
قال أبو عبدالرحمن: النمش بنادق قديمة، والزان أغصان صلبة يركز فيها سنان الرمح، وسحمان وسقيان ليسا معينين، ولكنهما رمز لتوافه الخلاف التي تنشأ عنها حروب مبيرة؛ والحرب تبدأ بالثأر، ثم تتسع فتكون مناخا بين فريقين يجمعهما الحلف، والطمع في النهب والسلب، وجناة حرب صار القتل متعتهم ويذكر التاريخ مناخات متعددة أكلت الإبل بها أوبارها، لأن المناخ كان أشهر!!.
ويكون المناخ في ربيع، والأرض متبرجة بزينتها، فيصابرون خصمهم للقتال في مناخهم أشهرا؛ والإبل في عقلها محرومةٌ من الرعي يتخذونها متاريس وغرضا، ويذهب الربيع، ويصوح النبت، وتذروه الرياح؛ وربما لبدته الدماأ الخيرة المأسوف عليها التي لو كانت في بناإ دولة ووطن، ومكافحة عدو مشترك (عدو في الدين والنحلة):؛ لكانت أعظم.. والله المستعان.