فضل بن سعد البوعينين
اتخذت الحكومة الفرنسية إجراءات مشددة ضد إيران بعدما اتهمتها بالتخطيط لاعتداء على مؤتمر المعارضة الإيرانية في شهر يونيو الماضي. تشير المعلومات الأولية إلى أن التحقيقات الموسعة أكدت مسؤولية الاستخبارات الإيرانية عن التخطيط للاعتداء الإرهابي؛ الذي دفع الحكومة الفرنسية إلى تجميد أصول إدارة الأمن الداخلي في وزارة الاستخبارات الإيرانية، إضافة إلى أصول مسؤولين إيرانيين؛ وهما «سعيد هاشمي»، نائب وزير الاستخبارات المكلف بالعمليات، و»أسد الله أسدي»، الدبلوماسي الإيراني المعتمد في فيينا. لم تقتصر الإجراءات الفرنسية على تجميد الأصول المالية؛ بل طالت أيضاً «مركز الزهراء» الثقافي، المدعوم والممول من إيران، والذي داهمته الشرطة ضمن عملية وقائية لمكافحة الإرهاب.
لم يكن الإرهاب الإيراني طارئًا على فرنسا؛ أو الدول الأوربية الأخرى؛ بل يعتقد أن جملة من الأعمال الإرهابية المنفذة وقف خلفها النظام الإيراني؛ تخطيطًا وتمويلاً؛ وهي وإن حُمِّلَت مسؤولياتها لمنفذين مستقلين ادعوا تبعيتهم لتنظيم «داعش» إلا أن الاستخبارات الإيرانية تبقى المسؤولة عن تجنيدهم وتمويلهم والتخطيط لعملياتهم القذرة.
هل أدركت فرنسا متأخرة، دور النظام الإيراني في دعم وتنفيذ العمليات الإرهابية على أرضها، أم أنها أرادت أن تستغل العملية الإرهابية المكشوفة لها سلفًا من أجل اتخاذ قرارات حاسمة تتماهى مع التوجه الأميركي والعقوبات الاقتصادية المشددة التي حاولت الامتناع عن تطبيقها.
مجلس الأمن القومي الأميركي رحب بالخطوة الفرنسية ورد فعلها القوي على الهجوم الإرهابي الفاشل. المتحدثة باسم الخارجية الأميركية «هيذر نويرت» قالت إن المخطّط الذي كشفت باريس تفاصيله يثبت أن إيران هي «الراعي الأول للإرهاب في العالم».
تعتبر فرنسا حاضنة النظام الإيراني الإرهابي، والداعمة لتمكينه منذ الانقلاب على الشاه، والمتجاهلة لعملياته الإرهابية وتوسعه المنظم في المنطقة، وتسببه في دمار العراق ولبنان وسوريا واليمن وإشعاله الفتن في جميع الدول العربية، لذا يمكن القول أن الإعلان عن تحميل الاستخبارات الإيرانية مسؤولية الاعتداء على مؤتمر المعارضة «مجاهدين خلق» يشكِّل مفترق طرق في العلاقات الفرنسية الإيرانية؛ وربما بداية النهاية للنظام الإيراني. وأحسب أن الوقت لن يطول قبل أن توجه بعض دول أوروبا الأخرى اتهامات مباشرة للاستخبارات الإيرانية وتحميلها مسؤولية بعض العمليات الإرهابية المنفذة على أراضيها.
تجميد الأصول الاستخباراتية الإيرانية في فرنسا خطوة طال انتظارها؛ حيث تشكل باريس منصة مركزية لاستخبارات إيران ومنطلقًا لعملياتها الإرهابية في أوروبا وخارجها؛ بل يعتقد أن حجم الأموال الإيرانية المغسولة في باريس وحدها يفوق ما يتم غسله في الدول الأوربية الأخرى. كما أن علاقة حزب الله اللبناني بقطاع المال الفرنسي ساعد على تمكين الحزب ماليًا؛ وتسهيل عملياته في غسل الأموال وتمويل الإرهاب؛ وإخفاء الأصول المالية الضخمة بأسماء أفراد من الحزب لتجاوز العقوبات الدولية وعمليات التجميد.
أعتقد أن العالم الغربي بدأ بالفعل مرحلة التحول النوعي في مواجهة الإرهاب الإيراني؛ ليس في الجانب المالي فحسب بل والجوانب الأمنية والقضائية؛ وهي إشارة لتحرك أكبر نحو تغيير النظام بعد أن حقق مخططات الغرب الإستراتيجية في المنطقة.